الجامعة وخريجوها

[email protected]

من بين الأنباء التي أسعدتني في الأسبوع الماضي إعلان جامعة الملك سعود عن إطلاق برنامج خريجيها Alumni Association الذي يأتي ضمن باقة البرامج التطويرية التي تشهدها الجامعة كتمويل كراسي البحث العلمي، استقطاب كوكبة من العلماء البارزين على مستوى العالم، وتأسيس شراكات مع مراكز أكاديمية متميزة. وكنت قد سبق أن كتبت قبل نحو ثلاثة أعوام (الاقتصادية في 9/4/1426هـ) مقالة تناولت فيها التقليد الراسخ في المؤسسات العلمية في العالم للتواصل بينها وبين خريجيها وتتبع مسيرتهم مدى الحياة. ومن صور ذلك التواصل برامج وفعاليات ترعاها تلك المؤسسات عبر قنوات منظمة تشرف عليها إدارة متفرغة توفر لها الدعم والموارد اللازمة لبلوغ أهدافها التي من أهمها بناء جسور تربط المؤسسة بخريجيها لتحقيق منافع للطرفين وقبل ذلك ربطها بالمجتمع بشكل عام.
يرتكز تقليد التواصل بين المؤسسات العلمية وفي مقدمتها الجامعات وبين خريجيها على مفهوم خلاصته أن عطاء الفرد نحو مجتمعه ووطنه رسالة مستمرة لا تنقطع ولا يقيدها مكان أو زمان، كما يرتكز ذلك التقليد على مفهوم آخر هو أن العمل الجماعي المنظم أكثر بركة ومنفعة للمجتمع. ذلك ما حفزني في مقالة كتبتها في "الاقتصادية" بتاريخ 5/5/1428هـ إلى دعوة جامعة الملك سعود، بحسبانها الجامعة الأم، للنهوض بدور خريجيها من خلال عمل مؤسسي يشعرهم بأهمية العطاء ومردودة عليهم ومجتمعهم بما في ذلك عقبهم. وأكدت يومها أن الهدف الذي ينبغي أن تسعى إليه الجامعات السعودية لدعم برامجها البحثية وغيرها هو توسعة دائرة المشاركة، ولعل الخطوة الأولى في ذلك السبيل تكوين جمعيات للخريجين يكون لها فروع في كل مدينة رئيسة من مدن المملكة تبني جسوراً وقنوات بين الجامعة وبين خريجيها والمجتمع بشكل عام من خلال عمل منظم ومنافع متبادلة.
إن الأهداف التي حددتها جامعة الملك سعود لبرنامج خريجيها تعكس رؤية واعية للدور الحيوي الذي يمكن أن يضطلع به أولئك الخريجون في المشاركة للارتقاء بالأداء الأكاديمي للجامعة وتعزيز رسالتها في خدمة المجتمع. إذ من بين تلك الأهداف مشاركة الخريجين في تطوير الخطط الأكاديمية والبحثية والتدريبية بما يتفق وحاجات التوظيف، دعم التعليم التعاوني لتدريب الطلاب في جهات عمل الخريجين، وتعريف طلاب وطالبات الجامعة المتوقع تخرجهم بالفرص الوظيفية المتاحة. ويهدف البرنامج إلى زيادة الموارد المالية للجامعة، وتزويد الخريجين بالمستجدات الأكاديمية والبحثية.
برنامج خريجي جامعة الملك سعود، كأي فكرة جديدة، يعتمد نجاحه على اختيار عقول نابهة لإدارته. وقد ترى الجامعة المبادرة من الآن في ابتعاث عدد من كوادرها النشطة (رجالاً ونساء) لدورات تدريبية لدى بعض الجامعات الغربية لكسب الخبرة المتراكمة هناك في إدارة مثل تلك البرامج كي نبدأ من حيث انتهى الآخرون.هناك جامعات عريقة مثل جامعة هارفارد وجامعة MIT مثلاً تزهو بجمعية خريجيها لما يمثله أولئك الخريجون من شبكة علاقات متينة ليست على مستوى الولايات المتحدة فحسب بل على مستوى العالم . ومن ثم نرى أن كل طالب تقريبا يصبو للالتحاق بتلك الجامعات لا لجودة التعليم الذي تقدمه فقط وإنما للمزايا التي توفرها جمعية الخريجين من مساعدة وإرشاد عند البحث عن فرصة عمل Networking.
لقد دفعت جامعة الملك سعود خلال الخمسين عاماً التي انقضت من عمرها المديد بالآلاف من خريجيها لمعترك الحياة، العديد منهم أسس مشاريع وكيانات تجارية ناجحة، كما تبوأ البعض منهم مناصب قيادية في الدولة وشركات كبرى ما يجعلهم قادرين على تسخير إمكانات وعلاقات واسعة لخدمة الجامعة ورؤيتها لتأسيس بيئة حاضنة للإبداع والابتكار.
إننا نتطلع إلى أن تقدم لنا الجامعة نموذجاً فاعلاً لبرنامج الخريجين يعيد صياغة العلاقة بين الجامعات السعودية وبين مجتمعها، كما أننا نتطلع إلى أن تكون تلك الخطوة حافزاً للآخرين، الذين لم يخوضوا تلك التجربة بعد، أن يحذوا حذوها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي