متى يصبح القطاع الخاص قائداً للاقتصاد السعودي؟

[email protected]

رسائل جديدة لم نعتد على سماعها خرج بها منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الثالثة، وهو ما يجعلنا نستبشر خيراً في الإسراع بتحقيق التحول الحقيقي المنتظر في الاقتصاد السعودي من أجل تحقيق الأهداف التنموية المستدامة، وهو ما تنشده حكومتنا الرشيدة لتوسيع مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
ومن هذه الرسائل المهمة والجديدة ما قاله الأستاذ عبد الرحمن الجريسي رئيس الغرفة التجارية بالرياض في كلمته التي ألقاها بمناسبة افتتاح الدورة الثالثة للمنتدى "إن الحل الأمثل لمواجهة التحديات يتمثل في إعادة تشكيل الأدوار بين القطاعين العام والخاص ومراجعة شاملة للأنظمة والإجراءات، إضافة إلى هيكلة الحكومة وتطويرها بما يتناسب والاتجاهات الحديثة للاقتصاد العالمي".
والاتجاهات الحديثة للاقتصاد العالمي تؤكد ضرورة قيادة القطاع الخاص لاقتصادات الدول لينهض بمسؤولياتها التمويلية والتطويرية والتشغيلية في القطاعات الاقتصادية كافة لتوفير السلع والخدمات بأفضل جودة وأقل تكلفة وذلك في إطار المنافسة العادلة التي تقوم الحكومات بتوفيرها من خلال قيامها بدورها التنظيمي والرقابي لتنظيم العلاقات بين كافة أطراف أي سوق كانت وحمايتهم من طغيان أي منهم على الآخر، كما هو عمل هيئة السوق المالية على سبيل المثال كجهة تنظيمية من المفترض أن تقوم بتنظيم سوق الأوراق المالية وحماية أطرافه من الغش والتدليس والاحتكار.
إذاً منتدى الرياض يرسل لنا إشارة جديدة حسب ظني بضرورة تمكين القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد الوطني بأسرع وقت ممكن ليلعب دوره الحقيقي في تحقيق الأهداف التنموية المستدامة باستقلالية كاملة عن التطورات في كل من القطاع الحكومي والقطاع النفطي في ضوء تأثر القطاع النفطي بالتقلبات الحادة أحيانا في أسواق النفط العالمية كما تقول بذلك خطة التنمية الثامنة.
و ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا تنامت قدرات القطاع الخاص وتحسنت كفاءته وأداؤه بما يمكنه من مواجهة التحديات المتمثلة في تنامي الطلب على السلع والمنتجات بسبب النمو السكاني الكبير من ناحية، والمنافسة العالمية الشرسة من ناحية أخرى، خصوصا بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية التي تستوجب فتح الأسواق، وإزالة أشكال الدعم كافة والحماية والمفاضلة، وكلنا يعلم أن القطاع الخاص لن يتمكن من مواجهة التحديات إلا بتضافر الجهود الحكومية والخاصة لإعداد البيئة الاستثمارية السليمة والمحفزة للمستثمرين المحليين و الأجانب للاستثمار في القطاعات الاقتصادية كافة بشكل مكثف ومتوازن وبفكر اقتصادي حديث يتناسب مع المفاهيم الاقتصادية السائدة في الدول المتقدمة والتي منحت اقتصاداتها القوة والثبات والاستقرار أمام التحديات أيا كان نوعها وذلك من دون المساس بقيمنا ومبادئنا الإسلامية.
ومن ناحية الحكومة فلقد مثلت كلمة خادم الحرمين الشريفين والتي ألقاها وزير المالية نيابة عنه أكبر دليل على عزم الحكومة وسعيها لإعطاء القطاع الخاص دورا أكبر في تحقيق الأهداف التنموية المستدامة، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين تطلع حكومته إلى قيام القطاع الخاص في المملكة بالاستفادة من البيئة الاستثمارية التي تطورها الحكومة للإسهام بدور أكبر في عملية التنمية، وتحسين فرص التوظيف للمواطنين.
إذاً الحكومة راغبة وماضية في تمكين القطاع الخاص ليلعب دورا أكبر، والقطاع الخاص راغب وماض في تعزيز قدراته وإمكانياته ليكون على قدر المسؤولية، فلماذا التأخير في تحول الاقتصاد السعودي من اقتصاد تقوده الحكومة إلى اقتصاد يقوده القطاع الخاص؟ ولماذا يشكك البعض في تحقيق رؤية وزارة الاقتصاد والتخطيط التي تصبو لأن يقود القطاع الخاص الاقتصاد السعودي في عام 2025م؟
السبب معروف وهو جملة من التحديات التي تحتاج إلى حوارات فكرية اقتصادية صحية وهادفة، تستند إلى دراسات علمية دقيقة وحديثة وشاملة، وتستند إلى مقاييس ومعايير اقتصادية عالمية، وترتكز على رغبة صادقة لدى الحكومة خصوصا على مستوى أجهزتها التنفيذية التي تشكل عائقا كبيرا أمام تحقيق هذه الرؤية لغاية الآن، والتي يمكن تطويرها كما فعلت بعض الدول المتقدمة التي أوجدت وزارة لتطوير القطاع الحكومي وأطلقت جوائز للأداء الحكومي المتميز، كما ترتكز أيضاً على مجتمع أعمال يتحمل مسؤوليته تجاه تحسين البيئة الاستثمارية.
ولا شك أن المنتديات، ومنها منتدى الرياض الاقتصادي الذي انقضت دورته الثالثة قبل أيام، تشكل المكان الأنسب لإثارة مثل هذه الحوارات الاقتصادية الفكرية بين الأطراف كافة للخروج بأفضل الآراء والتوصيات، ولا شك أن تعميم المنتديات الاقتصادية على مناطق المملكة العربية السعودية الثلاث عشر كافة ستعجل من تفعيل دور القطاع الخاص لينهض بالمسؤولية الجسيمة التي نرغب جميعا حكومة ومجتمع أعمال أن ينهض بها وكذلك لزيادة الوعي لدى الشرائح المرتبطة بالاقتصاد كافة في مناطق المملكة وذلك للوصول لحل أكبر قدر ممكن من مشكلات الإجراءات البيروقراطية الحكومية والتي تعد أكبر عائق لهذه الرؤية حيث أثبتت الدراسات بأن السعودية تخسر 60 مليار ريال سنوياً بسبب البيروقراطية!، وبالنظر لهدف الهيئة العامة للاستثمار 10/10 فهو هدف طموح وصعب وعلى الجهات ذات العلاقة العمل الدؤوب للوصول لهذا الهدف، والسؤال لماذا استطاعت سنغافورة أن تحصل على المركز الأول للتنافسية وسهولة الأعمال للسنة الثانية على التوالي؟ ونحن نطمح للمركز العاشر بعد ثلاث سنوات والذي أرجو أن نحصل عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي