المشكلة الإسكانية والحلقة المفقودة بين سوقي المال والإسكان
للسكن أبعاد نفسية واجتماعية متعددة منها أنه المأوى الذي يجمع شمل الأسرة، وأهمها الاستقرار النفسي الذي يجعل الإنسان منتجاً وأكثر ارتباطاً بوطنه وأكثر ولاءً أيضا! ولذلك يتضح لنا سبب اهتمام الكيان الإسرائيلي بتوفير المساكن للمهاجرين حال وصولهم الأرض المحتلة لكي يكونوا أكثر التصاقا بها.
وأعتقد أن الجميع يتفق على أننا نعاني بدايات أزمة إسكانية قابلة للتفاقم إذا لم نتصدى لأسبابها في الوقت المناسب! وأكاد أجزم أن أهم أسبابها غياب آليات فاعلة تمكن المواطن من تملك المسكن الملائم في الوقت المناسب من حياته، ذلك أن الآلية التي ساعدت الكثير من المواطنين فيما مضى من العقود من تملك المساكن أصبحت غير فاعلة في ظل زيادة الطلبات المتراكمة على صندوق التنمية العقاري، وفي ظل الارتفاع الكبير لأسعار الأراضي وزيادة أجور العمالة وتكلفة مواد البناء.
وما أعلنه وزير المالية في مؤتمر اليورموني للتمويل الإسكاني في بداية العام الجاري يعد أكبر دليل على ضرورة إيجاد آليات جديدة تمكن المواطن من تملك المسكن الملائم في الوقت المناسب (قبل أن يشيخ وتطير الطيور بأرزاقها كما يقولون )، ويتضح ذلك بقول معاليه "إن جميع المؤشرات تدل على عدم كفاية المبادرات والجهود لمواجهة الطلب على الإسكان الحالي والمتوقع، وأنه يتعين لتحقيق ذلك وللوفاء باحتياجات المواطنين اتخاذ إجراءات أخرى وإطلاق مبادرات جديدة تكفل تطوير قطاع التمويل الإسكاني وتنميته على نحو مستدام".
وبما أن الحكومة أعلنت مرارا وتكرارا ضرورة أن يلعب القطاع الخاص دورا كبيرا في تحقيق أهداف الخطط التنموية، فالأمل منعقد على القطاع الخاص للإسهام في حل المشكلة الإسكانية، ولكن القطاع الخاص لا ينشط في أي سوق إلا إذا توافرت له المحفزات، فما بالنا والعوائق في القطاع الإسكاني التي لا تزال سيدة الموقف، حيث مازالت الحلقة بين السوقين الإسكانية والمالية مفقودة أو ضعيفة في أحسن الأحوال كنتيجة طبيعية لعدم استكمال منظومة التشريعات المنظمة لهذه السوق الإسكانية العملاقة والتي يقدر حجم الاستثمارات بها في الـ 20 سنة المقبلة بنحو ثلاثة ترليونات ريال على اعتبار أن المطلوب نحو 4.5 مليون وحدة سكنية بمتوسط تكلفة يصل إلى نحو 700 ألف ريال .
والسؤال، ما الحلقة المفقودة أو الضعيفة؟
(إنها السندات) أو ما يسمى بالصكوك الإسلامية إذا تم هيكلتها بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وكلنا يعرف أن تلك السندات ليس إلا أوراق مالية لا يمكن لأي شركة عقارية أو مالية أن تطرحها للاكتتاب العام وتدرجها للتداول إلا بعد موافقة هيئة السوق المالية التي ما زالت لم تنظم تلك السوق بشقيها الأولي والثانوي! بما يجعلها سوقا كبيرة رائجة تجذب المستثمرين من أصحاب المدخرات والكتل المالية لها كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث يصل حجم سوق السندات إلى 5.5 ترليون دولار.
وكلنا يعرف أيضا أن نظام الرهن العقاري يشكل أفضل آلية طبقت في الدول المتقدمة كحلقة وصل قوية قادرة على ربط السوقين المالية والإسكانية بما يوفر المأوى للمواطن ويحقق الأبعاد الاقتصادية للمساكن كضمانات تسهم في انتقال الرساميل بين أصحاب المدخرات والشركات الإسكانية المطورة وشركات التمويل الإسكاني من ناحية، وبين القطاع العقاري والقطاعات الاقتصادية من ناحية أخرى.
نظام الرهن العقاري حسب معرفتي أنه في مطبخ وزارة المالية، وأنه قد يحتاج لمدة طويلة لكي يرى النور لأن إصداره وتطبيقه بفاعلية يستدعيان معالجة كثير من القضايا الأخرى ذات الصلة واستكمالا لعدد من الأنظمة المهمة، كنظام شركات التمويل، ونظام التنفيذ والرهن، إضافة إلى إجراءات لمعالجة الصعوبات الحالية في تسجيل الرهون وإتاحة الرقابة القضائية لقرارات التسجيل إضافة لنظامي التقييم العقاري والسجلات الائتمانية.
وإذا كان الأمر كذلك، والأزمة الإسكانية لا تحتمل التأجيل خاصة أن دورة تطوير المساكن بكميات كبيرة تراوح بين ثلاث وخمس سنوات في ظل الأنظمة البيروقراطية، أعتقد أنه يجب علينا أن نلجأ إلى حل سريع ومطبق حالياً رغم أنه لا يرتقي إلى نظام الرهن العقاري، وهذا الحل يتمثل في تفعيل نظام الإيجار المنتهي بالتملك والذي طبقته عدد من الشركات التمويلية التي تعمل جنبا إلى جنب مع شركات عقارية مطورة حققت نتائج جيدة من خلاله، حيث تمكنت من تمويل عدد كبير من المواطنين لشراء مساكن لهم بضمان دخولهم الشهرية، كما استطاعت أن تسند (تصكك) تلك العقود في أسواق المال العالمية لتعيد الدورة التمويلية مرة أخرى وهكذا.
الإيجار المنتهي بالتملك صيغة مناسبة يمكن التوسع في تطبيقها في الوقت الحالي كحلقة قوية يمكن أن تربط السوقين المالية والإسكانية ببعضهما بعضا لجذب المستثمرين إلى السوق العقارية عموما والإسكانية منها على وجه الخصوص بما يسهم في زيادة المعروض من المساكن وبما يمكن المواطن من شراء المناسب منها لدخله وحجم أسرته في الوقت المناسب، وأقترح أن تتبنى ذلك (الهيئة العامة للإسكان) والتي تهدف إلى توفير المسكن المناسب وفق الخيارات الملائمة لاحتياجات المواطنين وفق برامج تضعها الهيئة وبخاصة عدة أمور من بينها تيسير حصول المواطن على مسكن ميسر تراعى فيه الجودة ضمن حدود دخله في الوقت المناسب من حياته وزيادة نسبة تملك المساكن.