هل من دعم إضافي للأمن العام؟

[email protected]

(السُنة الحسنة) التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين للتعامل مع (المال العام) وهي تخصيص مبالغ من فائض الميزانية تنفق على المشاريع الحيوية التي تمس حياة المواطن مباشرة وتدعم استقرار الدولة والمجتمع، ما زلنا نقطف ثمارها، وكان آخرها تخصيص (7) مليارات ريال لتطوير بنية القضاء ليكون ملبيا للاحتياجات المتجددة للدولة والمجتمع، فنحن نحتاج مؤسسات قضائية فاعلة وقوية تسهم في تكريس مبادئ العدل والمساواة، وهذا له أثره في احترام القضاء وهيبة الدولة.
هذه السُنة الحسنة ننتظرها في جانب مهم، وهو دعم الأمن الداخلي، فخادم الحرمين وجه بتخصيص (9) مليارات ريال للتعليم، و(7) مليارات للقضاء، وقبلها خصصت عدة مليارات لدعم برامج الإسكان الشعبي، والآن دعم الأمن الداخلي بمثل هذه المبالغ أو أكثر سيكون له الأثر الكبير في رفع كفاءة مؤسسات الأمن، فتكريس إنفاق الدولة على هذه المجالات، ومعها بالطبع الخدمات الصحية ضروري جدا لدفع الناس من دائرة الفقر، وهناك تجارب ناجحة للدول التي كثفت حضور الدولة في هذه المجالات وأطلقت القطاع الخاص في بقية القطاعات والمجالات، فكان لهذا التوجه أبلغ الأثر في إشاعة الرخاء الاجتماعي وإدامة النمو الاقتصادي.
الأمن الداخلي، بالذات الأمن العام، يواجه الآن ومستقبلا احتياجات رئيسية يفرضها التطور الذي يشهده المجتمع السعودي، فالنمو السكاني يواصل ارتفاعه بنسبة ثابتة، والمدن تتوسع بمعدلات كبيرة، كما أن ذهنية الجريمة ومجالاتها تتطور وتتعقد، وبدون شك المجتمع السعودي سوف يشهد أنماطا جديدة من الجرائم المصدرة إلينا مع ارتفاع معدلات الدخل وتعزز القوة الشرائية وارتفاع السيولة، فالجريمة في عالمنا المعاصر أدركها الاحتراف والتخصيص وهذا يفرض أعباء جديدة على المؤسسات القضائية ومؤسسات إنفاذ النظام.
بالتحديد ماذا يحتاج الأمن العام؟
هنا لن أجزم أن أقدم رأيا جامعا مانعا عما يحتاجه هذا الجهاز الحيوي، والقائمون عليه هم الأدرى والأعرف، ولكن هنا نلخص الحاجات الأساسية التي يكاد يتفق عليها القريبون من هذا الجهاز، وأيضا هي حاجات يتداولها الناس الذين يتلقون خدمات الأمن العام، فالآراء تلتقي عند الاحتياجات التالية:
أولا، نحن نشاهد ونرى أن مقار الشُرط في المدن الرئيسية تفتقد احتياجات ضرورية تسهل للعاملين فيها القيام بما هو مطلوب منهم، فأغلب مقار الشُرط مبان مستأجرة لم تُعد وتصمم لتكون بيئة ملائمة ومحفزة ومريحة للإنتاج، وما نتطلع إليه هو وجود مقار نموذجية مجهزة بالتقنيات الحديثة كما هو الحال في بيئات العمل الحديثة.
نريد مقر الشرطة أن يكون مجهزا أيضا بإدارة للدراسات والأبحاث، ووحدة لخدمة الجمهور يتواجد فيها متخصصون ومتخصصات في علم النفس والاجتماع، والإرشاد الديني، وغيرهم، والمهم أن تكون (التصاميم المعمارية) لهذه المباني متميزة وتعكس أهمية وحيوية المؤسسة الأمنية للمجتمع، وطبعا مهم جدا أن تكون المقار في مواقع متميزة في الأحياء، أو في الشوارع الرئيسية حتى تكرس صورة نمطية إيجابية متجددة عن المؤسسة الأمنية.
وبخصوص مقار الشرط، دائما يأخذني الخيال إلى شكل فريد متميز لتصميم المبنى، ومن الملامح أن يكون المبنى من زجاج ليعكس شفافية المؤسسة الأمنية، ويكون الشكل موحيا بالمستقبل، وخير مثال على ذلك هو مبنى وزارة الداخلية المتميز، فهو ينطلق من هذه الروح.
إضافة إلى المقار الأمنية المتميزة والجاذبة للموارد البشرية، الأمن العام يحتاج إلى أكاديميات متخصصة ترتبط بالمؤسسات العالمية العريقة والمعروفة في تأهيل القوى البشرية الأمنية، فالأمن العام يحتاج إلى مصادر تغذية جديدة تمده بالموارد البشرية المعدّة بالمهارات الأساسية لبيئة العمل الحديثة.
وهذا ضروري، بل ومتوقع، لأن توسع فرص العمل والتعليم في السنوات الأخيرة سينعكس على الدور التقليدي والحيوي الذي نعترف ونعتز به للأمن العام، ففي العقود الماضية كان الأمن العام، ومعه الحرس الوطني وبقية المؤسسات الأمنية الأخرى مصدرا مهما لفرص العمل والتعليم والاستيطان في المدن بالذات لأبناء البادية والقرى، الذين كانت تجذبهم سمعة وهيبة المؤسسات الأمنية، وهذا الدور الإنساني الكبير كان له أثره الإيجابي في حياة الكثيرين الذين استوطنوا المدن واستفادوا من معطيات التعليم، وخرج من أبنائهم علماء ومبدعون وقيادات أضافت لحياتنا الإيجابيات التي نعتز بها.
هذا الدعم الخاص الذي نتطلع إليه سوف يساعد في تصميم برنامج للتعليم وإعادة التأهيل ربما يستهدف 100 ألف مواطن أو ربما أكثر من ذلك، سواء ممن هم قائمون على رأس العمل أو ممن سيتم استقطابهم، وأيضا ربما يساعد الأمن العام على الاستفادة من الضباط الذين تقاعدوا وما زالت لديهم الرغبة والقدرة على الإنتاج، فالمتقاعدون يمكن الاستفادة منهم لإنشاء وقيادة مؤسسات للمجتمع الأهلي، موجهة لخدمة الأمن العام، ومع الأسف أننا نفتقد المؤسسات الأهلية التطوعية التي تدعم جهود الأمن، وبرزت هذه المشكلة بقوة مع ظهور ظاهرة الإرهاب.
إننا نرى في الأفق منافع عظيمة لوجود برنامج خاص يؤسس لبنية قوية للأمن العام مدعومة بالمقار الحديثة ومراكز الأبحاث المتخصصة والمؤسسات الأكاديمية، والمؤسسات الأهلية، فالرخاء الاجتماعي والازدهار الاقتصادي يحتاج الأمن الذي يحفظه ويرعاه .. وإلا لن يكون له معنى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي