السائق السائق .. والسوق وأشياء أخرى

[email protected]

عُدت من الإجازة لأجد أن حضانة ابني أغلقت أبوابها لأن المساحة التي كانت متاحة لها من قبل إحدى الأكاديميات تريد أن تتوسع على حسابها على أن ينظروا في أمر استحداث حضانة في وقت ما في المستقبل. فعلى قدر ما لدينا من انفجار سكاني وتسجيل رقم قياسي في عدد المواليد إلا أن خدمات الأطفال محدودة لا تتعدى تنويع قنواتنا الاستهلاكية ما بين الشراء والملاهي، بينما الخدمات التي تعمد إلى تنمية ملكاتهم وطاقاتهم محدودة إن لم تكن متلاشية. وعدت إلى أزمة البحث عن حضانة تتناسب أوقاتها مع عملي الذي يمتد بالضرورة إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة ظهراً، وهو التوقيت الذي عليه حضاناتنا أجمع والتي إن امتدت فهي إلى الواحدة. أي أن الحضانات لم تُهيأ لتخدم المرأة العاملة وإنما لتزيد من أعبائها.
أردت حجز طاولة في مطعم لم يمض على افتتاحه أسبوعان للاحتفاء بذكرى زواجنا، وعند تحديد الطاولة المرغوبة في المنطقة المطلوبة، ممنوع الأطفال. عالم لا يعلمون ما هو التسويق ولا دبلوماسية البيع ولا حسن التصرف.
ذهبنا إلى السوق لملء الثلاجة الفارغة، اشترينا بمبلغ وقدره، منها صنفان لم يكونا وفق المطلوب، حاولنا إرجاعهما، طبعاً رُفض ذلك وكاد يمضي الشخص الذي طلبنا منه القيام بذلك النهار كله فعاد بهما وبخفي حنين، ويبدو أننا بحاجة إلى "واسطة" حتى نعيد هذه الأصناف أو نستبدلها بشيء لا نريد. أما الإرجاع في أمريكا فكان يتم بسلاسة تثير التعجب، ففي قسم خدمة العملاء يستلم الفواتير والقطع المرجعة وعلى الفور يطلب البطاقة التي دُفع بها وتجدها في حسابك بعد دقائق. وقد يتلقف أو تتلقف المسؤولة وتسأل باستحياء عن سبب الإرجاع وما إذا كان لعطب ما، لكن الحق ليس فيه أي تساؤل.
وفي السوق قصص وحكايات مع كل غرض أردنا شراءه، هناك البيض الذي لا يُكتب عليه تاريخ إنتاج ولا انتهاء، وهناك السلعة التي تجدها بسعر وعندما تكون الكمية مضاعفة، أي اقتصادية في كيس أكبر تصبح بسعر مضاعف وزيادة، ما الحكمة؟ وهناك السلع التي لا تُسعّر احتياطاً لرفع أسعارها مع موسم العودة من الإجازات وقدوم رمضان. وهناك محمّل الأغراض الذي يُستورد من بلاده ليحمل السلع في أكياس، كيفما اتفق، فيضع الصابون مع الزيتون، والكولوركس مع الخضار وهكذا.

هناك ثلاث سيارات أمام المنزل ولا سائق. وكل واسطاتنا مع سائقي الجنسيات المختلفة لم تُثمر عن سائق بمبلغ معقول يمكن أن يعمل بضعة أشهر لحين عودة سائقنا الدائم. حالة من الاحتكار والابتزاز مع بداية الدراسة يتفنن فيها السائقون ومتعهدوهم. ويطرح وجودهم في السوق ألف علامة استفهام مثل: من كفلاؤهم؟ ما درجة تنفذهم؟ هل هم ممن لا يُلمسون؟ ما مدى احتياجهم للمال حتى يتاجرونا بهذه الطريقة ويعتمدونا على ما يقدمه لهم كل سائق كل شهر أثناء عمله وحسب شطارته؟ كيف تتعامل معهم وزارة العمل ولماذا هم مُستثنون؟ ويملي اضطرارنا إليهم رغم حملي وحمل الكثيرات لرخص سياقة من دول أخرى ألف علامة استفهام أخرى وتساؤل، إلى متى؟ إلى متى تبقى المرأة والعائلات في بلادنا تحت رحمة العمالة الوافدة من مليون سائق وأكثر وتبقى ميزانيتنا ترزح تحت رحمتهم ورحمة التسعيرة التي يشترطونها دون أن نجرؤ على الاعتراض. عشرات المشاوير المعطلة ما بين عزاء وشراء وأطفال وجامعة ومدارس ومرضى ومواعيد مستشفيات وسباك ونجار وخياطة وغيرها بانتظار أن نجد هذا السائق الرحيم الذي لا ندري كم يوماً سوف تصمد السيارة في يده قبل أن يودي بها في حادث لا يستطيع أن يوفي سداد مستحقاته أو كم من ضغط الأعصاب سوف نحتمل مع لغة الإشارة التي لا نصل من خلالها إلى أي اتفاق، وكم من الاستبداد سوف نجده والمداراة التي سوف نعتمدها قبل أن نفقد أعصابنا؟ إلى متى تبقى المرأة عالة على الغير ويبقى رجل الأسرة تحت عبء مسؤوليات لا داعي لها كان بالأحرى أن يتقاسمها مع زوجته؟ كنت هناك نتناوب وزوجي على قيادة السيارة وعلى دراسة الخريطة أو استخراج اتجاهات المكان المطلوب من الإنترنت. كنت أقضي مشاويري بنفسي بينما لدى زوجي مشاغله الأخرى وبالعكس، متقاسمان كذلك الإشراف على الأطفال سواء في البيت أو لدى الخروج، وفي حال كانت مواعيدنا في قلب المدينة واشنطن كنا نأخذ المترو لتوفير وقت البحث عن مواقف، مستمتعين بالخدمات المتاحة لكل المسافرين سواء كانوا أفراداً أو مع أطفال. فلم تكن عربة طفلتنا تُطوى منذ الخروج من المنزل وحتى العودة إليه، فالشوارع مرصوفة لصالح المشاة، والصعود إلى المترو يتوافر له المصعد المناسب وكذلك عند الوصول أو التحويل من أي خط إلى آخر وحتى الوصول إلى الطرف الثاني من المدينة. وعند الدخول إلى أي متحف أو مطعم هناك دوماً مدخل لعربات الأطفال أو لذوي الاحتياجات الخاصة التي بها يمكن التنزه في كل مكان دون وجل، تساعدنا على ذلك مناطق عبور المشاة مضمونة السلامة في كل مكان، واللوحات والإشارات التوضيحية التي تغني عن إيقاف عامل أو موظف لسؤاله عند كل واردة وشاردة ثم لا يعرف أو تغلب عليه كبرياؤه ويدلك خطأً. غيض من فيض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي