هل هناك مبرر لاستمرار صندوق النقد الدولي؟

بعد الحرب العالمية الثانية آلت قيادة العالم إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي, وحرص كل طرف على إنشاء المؤسسات التي تدعم قوته. وكان من مصلحة واشنطن استقطاب العالم إليها فأسست البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي, الأول لدعم المشاريع وتمويل التنمية بالشروط الأمريكية أو على الأقل بما لا يرتطم مع مصالحها, والآخر لضبط السلوك المالي والسياسات المالية والاقتصادية للدول بما يجعلها قادرة على الوفاء بديونها.
واشتهر الصندوق بشروطه الكثيرة وحثه المستمر على تغيير الهياكل الاقتصادية بما يتفق مع حرية الأسواق والاقتصاد المفتوح والتخصصية والتخلص من الأطر القديمة التي اعتمدت على تدخل الدولة في التخطيط والتنفيذ.
كانت واشنطن تبرر قسوتها وشروطها التي لا تنتهي بحرصها على إقرار التوازن في الاقتصاد العالمي وحمايته من حماقات الصغار. طالب الصندوق ببيع الخدمات فلا يعقل أن تستخدم الطريق مجانا أو تعلم أبناءك مجانا أو تعالجهم مجانا, فانتشرت المدارس الخاصة الباهظة التكلفة والمستشفيات الفندقية التي تعمل للربح قبل العلاج ومحطات جباية الرسوم على استخدام الطرق.
ولأن الدول الفقيرة متمرسة على البؤس والشقاء فقد استمر الحال على هذا المنوال, وكان عزاؤهم أنهم أبرياء من كوارث إيقاع العالم في نكبات اقتصادية.
وفجأة! تصدع البنيان الاقتصادي ووقع الزلزال وشاهد الجميع الشروخ والتشققات, ولكن العجيب أن ذلك كله وقع في الغرب وبفضل الزعيمة التي نصبت نفسها قائدة للسياسة والاقتصاد والمال وأملت شروطها بما اعتقدت أنه يحقق مصالحها. وها نحن في براثن مصيبة اقتصادية سببها السلوكيات الأمريكية, ولا دخل للفقراء أو البؤساء الذين عانوا الأمرين من التحكيم والإملاء.
انهيار الرهونات الخاصة بالمنازل قضية أمريكية وانكشاف البنية المالية الأمريكية التي عاشت على أموال الغير, أعلن على الملأ هشاشة النظام الأمريكي الذي عاش على قروض روسية ويابانية وهندية وصينية وبرازيلية وخليجية, فكل هذه الأطراف تودع المليارات في سندات الخزانة الأمريكية أو بيوتها المالية الضخمة على غرار ميرل لنش ومورجان وغيرهما. وتصدع البنيان وانكشف المستور وفشل صندوق النقد الدولي في الحفاظ على السلامة النقدية للعالم, وفشل في تحقيق حلم تجنب وقوع كوارث على غرار مأساة 1929, المعروفة بالأزمة الاقتصادية الكبرى.
وتصاعدت التساؤلات: ألم يكن بوسع صندوق النقد الدولي أن يحذر واشنطن من مغبة اللعب على الورق والتصرف الارتجالي والتكهني بالمليارات؟ ألم يستطع أن يشم رائحة الكارثة قبل وقوعها أم أنه كما يقول الفقراء مؤسسة استعمارية تحمل سوط التخويف والتهذيب دون عمل جاد حقيقي لخدمة الأهداف العديدة التي سطرها مؤسسوه؟
ونتساءل: هل هناك فائدة من بقاء هذه المؤسسة بعدما أصبح اللعب على المكشوف؟ حيث إن عالم المال على عكس السياسة لا يسمح باستمرار الإخفاء والتدليس, أم أن الوقت قد حان لرفع الأقنعة وإعلان الإفلاس؟ ولعل أمريكا والعالم في حاجة إلى مخالفة كل ما نادى به الصندوق, وعلى رأسها تدخل الدولة, ومن دون تدخل الدولة لا حل في الأفق للكوارث المالية والاقتصادية الحالية.
إني أرى الفقراء يهمسون ويقولون أيضا على استحياء: ألم نقل لكم إنها لعبة الاستعمار بحذافيرها .. هيمنة وعولمة وتحكم .. ثم جاء التصدع الذي نرى فيه بعض الخير, حيث إن التدهور المالي الذي تعانيه أمريكا وأصوات الدائنين الذين غررت بهم تصم آذانها وتحولها ولو مؤقتا عن سياسة التخويف بالبوارج والتلويح بالقوة واحتلال دول الضعفاء تحت شعارات مختلفة تهاوت كلها وثبت زيفها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي