الوعي بالفكر الآخر
يكفيك حين تود أن تعرف كيف ينظر الشخص للمفكر بمجرد أن يشير لك إلى أحد المفكرين ..!
نلاحظ أن هناك من إذا رغب أن يتحدث عن مفكر ما، كعلي الوردي مثلاً، يقول "المفكر الشيعي" أو "المفكر العلماني"، على الرغم من أن المفكر هذا ليس بالضرورة أفكاره التي يطرحها في مؤلفاته تدور حول مذهبه الديني أو توجهه الفكري، قد يكون لا علاقة له بهذا وذاك، ربما في تخصص لا يرتبط بهما، لكن لمجرد أن عرف هذا المتلقي عنه هذه المعلومة كان لها أثراً في تلقيه والدليل أنها أصبحت كتعريف يسبق اسمه! وهذا ينطبق على المفكرين والأدباء أيضاً.
لذلك نجد أن هناك من يختلفون مع مؤلف ما لمجرد أنه يخالفهم في المذهب حتى لو لم يكن يدعو له!، وسأورد من جديد الدكتور علي الوردي على سبيل المثال هنا، يرفض البعض قراءته، والبعض الآخر يقرأ له ولكن برد فعل رجعي لمجرد كونه "شيعي" المذهب، وهم يتبعون مذهبا آخر، على الرغم من أن من يقرأ للوردي مؤلفاته سيجد أنه لم يدع للتشيع يوماً، حتى لو بطريقة غير مباشرة، وأفكاره لا تدور حتى حول الأفكار الشيعية أو المذهبية بل حول علم الاجتماع، وعندما يتطرق للشيعة فإنه ينتقدهم، ولو حتى أوردهم بإيمان وتحدث عن المعتقد فإنه لا يخصص أفكاره وطرحه من أجل تلك الرسالة، وأي قارئ واع يعرف كيف يرفض الأفكار التي تخالفه ويقبل بالتي يتفق معها.
إن هذا الحصر الذي لا فائدة منه أرى سلبياته أكثر من إيجابياته على الشخص المتلقي، البعض يرى فيه حصانة فكرية دينية، أياً كان الفكر، المذهب، الديانة، لذلك نجد أن هناك بعض القراء قننوا لهم اتجاها واحدا في القراءة ولم يحيدوا عنه يوماً ويرفضون أسماء قبل القراءة لها، ربما الإيجابية في هذا وجود الحصانة فعلاً لكنها ليست مبرراً أبدياً، فالحصانة يؤسسها ويبنيها الشخص منذ البداية في عقله ومن ثم يصل إلى مرحلة الوعي، بعد الوعي ينطلق إلى الاتجاهات الأخرى، يكتسب حينها المعرفة بالاطلاع على الرأي الآخر، يكتسب الحجج الكافية والخلفية الواعية والمنطقية لإدارة حوار فكري راق، دون أن يؤثر في فكره إلا إن كان قد اقتنع فعلاً دون تأثير وهمي تسرب إليه ببساطة.
لكن لو لاحظنا أن هناك قراء منقسمين إلى قسمين إذا استثنينا من وصل إلى رحلة الوعي الذي جعله ينوع في قراءته ويعرف ما الذي يأخذه من كل فكر، الأول: من يرفضون قراءة ما يخالف فكرهم تماماً، الآخر: من يقرؤون المخالف دون أن تكون لديهم بنية مسبقة فتتخبط أفكارهم.
الإنسان يعيش على فكره، يحدد مبادئه من خلالها، لكن عليه أن يصل إليها بقناعة حتى تكون حقيقية ومتأصلة في نفسه، ولن يصل إليها ما لم يطلع على قدر كبير وكاف وعلى كثير من الأفكار المختلفة.