ميزانية قطر والمحافظة على النفقات العامة

حقيقة القول، أكثر ما يميز ميزانية قطر للسنة المالية 2009 و2010 هو المحافظة على حجم المصروفات العامة. تبلغ قيمة النفقات المرصودة 26 مليار دولار أي أقل بنحو 1.5 في المائة من ميزانية السنة المالية 2008 و2009 والتي كانت الأكبر على الإطلاق في تاريخ البلاد. بدورنا نرى صواب هذا التوجه بالنظر للأهمية النسبية الكبيرة لمصروفات الدولة في الأنشطة الاقتصادية في الظروف العادية فضلا عن هذه المرحلة الدقيقة أي بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية. تشكل المصروفات الحكومية نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي لقطر.
كما هو الحال مع الكويت، تبدأ السنة المالية في قطر في الأول من نيسان (أبريل). وقد منحت هذه الخاصية للسلطات القطرية فرصة نوعية لقراءة الآفاق الاقتصادية وخصوصا اتجاهات أسعار النفط بعد سبعة أشهر من اندلاع الأزمة المالية العالمية.

أفضل نمو اقتصادي
المأمول أن تسهم استمرارية النفقات العامة في المحافظة على وتيرة النمو الاقتصادي. تتوقع مجموعة الإيكونومست البريطانية أن يحقق الاقتصاد القطري نموا حقيقا قدره 13.4 في المائة في عام 2009 أي الأعلى دوليا. بالمقارنة، يتوقع التقرير نفسه تسجيل نسبة نمو 8 في المائة في الصين صاحبة الشهرة في تحقيق نسب عالية للنمو الاقتصادي.
استنادا إلى تقرير أصدره صندوق النقد الدولي، حقق الاقتصاد نموا فعليا قدره 16 في المائة في عام 2008 ما يعد مميزا بكل المقاييس. بالمقابل، عانى الاقتصاد نسبة تضخم قدرها 15 في المائة في السنة نفسها ما يعني تسجيل نمو اسمي بواقع 29 في المائة. وفي كل الأحوال، حافظت قطر بأفضل نسبة نمو اقتصادي بين الدول العربية قاطبة لسبع سنوات متتالية.

تراجع الإيرادات
قدرت السلطات الإيرادات بنحو 24.4 مليار دولار أي أقل بنسبة 15 في المائة عن دخل الخزانة للسنة المالية الماضية ولكن لسبب وجيه. وعلى هذا الأساس، تفترض الميزانية تسجيل عجز قدره 1.6 مليار دولار في السنة المالية 2009 و2010 مقارنة بفائض يفوق على ملياري دولار في ميزانية 2008 2009. يشكل العجز المتوقع، وهو الأول من نوعه منذ عام 2001، نحو 2 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي ما يعني عدم مخالفة أحد شروط الاتحاد النقدي الخليجي والمزمع إطلاقه في عام 2010. من جملة الأمور، تشمل المعايير تقييد عجز الميزانية عند 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي.
بيد أنه لا يتوقع حدوث عجز فعلي في السنة المالية الجديدة نظرا لتوقع ارتفاع أسعار النفط مقارنة بالسعر المستخدم لإعداد الميزانية. فقد تبنت السلطات متوسط سعر قدره 40 دولارا لبرميل النفط الخام عند إعداد ميزانية 2009 و2010 مقابل 55 دولارا للبرميل في الميزانية السابقة. يعد متوسط السعر 40 دولارا للبرميل خيارا واقعيا نظرا لما آلت إليه الأسعار في الربع الأول من العام الجاري. بالمقارنة، تبنت البحرين متوسط سعر النفط نفسه عند إقرار ميزانية السنة المالية 2009 و2010. وكانت السلطات البحرينية قد افترضت متوسط سعر قدره 60 دولارا للبرميل بادئ الأمر لكنها وافقت على تعديل الرقم بسبب إصرار السلطة التشريعية والتي بدورها أجلت موافقتها على الميزانية حتى آذار (مارس). بدورها أقرت عُمان ميزانية 2009 بمتوسط سعر قدره 45 دولارا للبرميل.

البنية التحتية
يسهم القطاع النفطي بأكثر من ثلثي دخل خزانة العامة ما يعني حدوث تطورات كبيرة في مستويات إيرادات الدولة عند تغيير متوسط سعر النفط. كما يتوقع أن تتمكن قطر من تعويض جانب من تراجع أسعار النفط عن طريق برنامج الغاز، حيث تعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. يبلغ حجم الإنتاج نحو 38 مليون طن في السنة في الوقت الحاضر موجها للخارج. والأهم من ذلك، تعمل قطر على زيادة إنتاجها إلى 77 مليون طن سنويا مع حلول عام 2012.
من جملة الأمور الجديرة تم تخصيص 10.4 مليار دولار للمشاريع التنموية مشكلا 40 في المائة من قيمة مصروفات السنة المالية 2009 و2010. ويقل أي أقل بنحو 5 في المائة عن المبلغ المرصود في الميزانية السابقة. بيد أنه يمثل هذا الرقم 40 في المائة من قيمة نفقات السنة المالية الجديدة. بل هناك شبه إجماع بين الاقتصاديين أن القيمة الفعلية في الوقت الحاضر للرقم 10.4 مليار دولار أعلى من 11 مليار دولار في الميزانية بسبب انخفاض أسعار بعض المواد الأولية الرئيسة للمشاريع التنموية. وكانت قطر قد اشتهرت بتسجيلها أعلى نسبة تضخم بين دول مجلس التعاون الخليجي كضريبة للنمو الاقتصادي غير العادي.
ختاما، تؤكد ميزانية السنة المالية 2009 و2010 أن القطاع العام يلعب دورا محوريا في الاقتصاد الوطني. بدورها تعتمد مؤسسات القطاع الخاص في عملها بشكل جزئي على المصروفات العامة ما يؤكد الدور النوعي للحكومة في النشاط الاقتصادي. وقد كشفت الأزمة المالية أن الأمل ملقى على القطاع العام لإعادة البوصلة الاقتصادية إلى جادة الصواب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي