إسرائيل تندب تشوه صورتها
نجحت إسرائيل دائما في اكتساب تعاطف الغرب: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا وغيرها، ربما لأنها من صناعتهم. فالألمان وفروا لها الغطاء النفسي عندما روج أعداء هتلر القصص عن اضطهاد اليهود بكثافة فاقت كل ما قيل عن شعوب أخرى, أبرزها الروس والسلاف والنمسويون والبولنديون ... إلخ، وفرنسا قدمت لهم وسائل إعلامها والتسليح المتطور وقتئذ من طائرات فاتور وأوريجون ومستير وسوبر مستير وميراج وقوارب بحرية, أما بريطانيا فكانت وكرا للترويج والتسليح والتآمر وإضعاف العرب, بينما تولت أمريكا كل ذلك وأصبحت إلى الأهم عندما تحولت القوة العظمى الوحيدة.
وأصبحت أوروبا اتحادا واحدا، وحقق الإسرائليليون انتصارات عديدة، بل وأصبح اللوبي الإسرائيلي يدير الموقف الغربي في مشكلة الشرق الأوسط. وهنا زاد الغرور الإسرائيلي وتصاعدت البشاعة والضراوة في قتل الأبرياء من المدنيين والنساء والأطفال. واعتمادا على أسطورتها الإعلامية القديمة بأنها واحة الديمقراطية في صحراء دكتاتورية وبأنها مهددة بالإلقاء في البحر وأنها قاعدة الغرب في قلب الشرق فقد واصلت الشطط. غير أن معاقل عديدة في أوروبا أفاقت من غيبوبتها وبدأت تتساءل: لماذا كل هذا التغاضي عن جرائم إسرائيل؟ والطريف أن هذا التوجه زاد بعدما سكتت آلات الدعاية العربية ووسائل إعلامها محدودة الخبرة عن الهجوم على إسرائيل. بدأت إسرائيل تفقد أرضا شاسعة. وتعالت الأصوات التي تستنكر غطرستها. وظهر ذلك واضحا في شكاوى الدبلوماسيين الإسرائيليين من الجفاء الذي يواجهونه حتى في أمهم الحنون أمريكا.
وقد أصبح ذلك جليا عندما استوقفتني كتابات كثيرة عن أهمية إعادة النظر في صنع الصورة الإسرائيلية باللجوء إلى الدبلوماسية الشعبية، والانطلاق قدما لعقد المؤتمرات والدخول إلى الجامعات والتسلل إلى الصحف والأفلام وإيجاد المناسبات المشتركة مع شعوب العالم خاصة في الغرب لتحقيق الدبلوماسية الناعمة، والدخول إلى عقول الشعوب لأن ذلك سينعكس بالضرورة على أقلام الصحافيين وبرامج الإذاعيين والتلفزيونيين.
بدأ الإسرائيليون الانزعاج عندما سادت مقولات جديدة, مثل مقارنة ما كان يفعله النازي بما فعلوه في غزة. وهل حدث وهاجم النازي أطفالا ونساء بهذه الصورة؟ كما أن إسرائيل التي لم تهتم أبدا بقرارات الأمم المتحدة، بدأت تعرب عن انزعاجها لكثرة القرارات التي تدينها، رغم الحماية "الفاتية" للولايات المتحدة واستخدامها الفيتو دائما لصالحها. وكان لانضمام منظمات مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش والأونروا للحديث عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان بعض الأثر. إن التأثير التراكمي الإعلامي ضد إسرائيل بدأ يؤتي ثماره، ولأننا نعيش أزهى عصور الإعلام، فقد رأى العالم وسمع الكثير عن مجرم لا يعاقب، وهاهو يجنى بعض ثمار جرائمه.