Author

هيبة المعلم المفقودة .. هل يعيدها مشروع تطوير التعليم؟!

|
كاتب في الشأن العام لدى وزارة التربية والتعليم ما يقرب من 400 ألف معلم ومعلمة، وهذا الرقم يفوق أي عدد للمعلمين في معظم الدول النامية، أو حتى المتقدمة وأثق أن من بين هذا العدد الضخم من يحوز أفكاراً مخلصة وتطويرية للعملية التعليمية، بأبعادها المختلفة، يمكن الاستفادة منها ضمن المشروع الكبير لتطوير التعليم، الذي اعتمده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ويتم الإعداد له وتنفيذه حالياً من قبل لجان وعلماء وفرق عمل بحثية متخصصة! وإذا كانت أركان العملية التعليمية ومكوناتها الأساسية، وهي الطالب والمعلم والمنهج، ستأتي في مقدمة ما يجب الاهتمام به، والتركيز عليه ضمن التطوير الشامل للتعليم، وهو المفترض، فإن المعلم يأتي في المقدمة منها، من حيث حاجته إلى الاهتمام والتطوير أكثر، باعتبار أنه يتوقف عليه تنفيذ ما سيسفر عنه مشروع التطوير من برامج وخطط وتحولات في مسار التعليم، فلو فرضنا أنه تم تطوير المناهج وتنقيتها مما يشوبها من ملحوظات، مثل التطويل والحشو، وتحويل الطالب إلى وعاء للالتقاط والحفظ دون فهم، من أجل اجتياز الامتحانات، أكثر مما يكون عنصراً للإدراك والتفاعل، وإعمال الفكر، وتحليل ما يرد في تلك المناهج، ومناقشته والحوار حوله مع المعلم، ولو فرضنا أننا توصلنا، من خلال التطوير، إلى صيغة مقبولة للمناهج، تبعد عنها الرتابة والملل، والصيغ العقيمة، التي تستعصي على الفهم والإدراك، ولا سيما لمن هم في مراحل التعليم العام، لو نجحنا في ذلك كله، وبقي المعلم على وضعه، فإن ذلك كفيل بنسف النتائج التي نتوصل إليها، إذا لم نجعل من المعلم محوراً للتطوير، وحجر الزاوية فيه، فالمعلم هو من يوصل ما في المنهج إلى ذهن الطالب، وهو من يختار الطريقة الملائمة لهذا الإيصال، ويستقي منها ردود الفعل، ويقيس من خلالها مقدار استيعاب الطالب وفهمه وإدراكه لما في المنهج، وهو، أي المعلم والمعلمة، الوحيد الذي يستطيع الدخول إلى ذهن الطالب، ونفسيته، بل ويؤثر في شخصيته وسلوكه في المجتمع، سلباً أو إيجاباً، لا يقل عن تأثير والديه، إن لم يكن أكثر من ذلك أحياناً، حين يجعل الطالب من معلمه قدوته ومثله الأعلى!.., مثلما كان هو الوضع قبل أكثر من أربعة عقود، عندما كان للمعلم هيبته وتقديره واحترامه!.., ولم يكن ذلك ناتجاً عن الخوف أو الرهبة، بقدر ما كان معزوا إلى ما يتحلّى به المعلم ذاته، من خلق ومكانة لدى الطالب، يرفع من قدر المعلم وشأنه لديه!.. أما اليوم، فإن حال المعلم يرثى لها بسبب ما اعترى العلاقة بينه وبين الطالب من توتر وفتور، وجفاء متبادل، إن لم ينقلب إلى عداء في كثير من الحالات، وقد أدى ذلك بالمعلم إلى اختزال مهمته في اختبارات الحفظ والتلقين، حتى لو تبخّر ما يحفظه الطالب بعد مغادرته المدرسة!.. إن صورة المعلم، لدى الطالب قد اهتزت وتضاءلت وتحولت من مربٍ إلى ملقّن، فانقلبت المعادلة، وأصبح المعلم يخاف من الطالب، وأحدث ذلك لديه، أي المعلم، شعوراً بالنقمة وحب الانتقام متمثلاً فيما ذكرناه، من التخلّي عن مسؤولياته الأساسية بخاصة بعدما فقد هذا المعلم دعم مرجعه له، والانتصار لكرامته في بعض مواقف الإهانة التي يتعرض لها من الطلبة أنفسهم، أو من أولياء أمورهم!.. نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر بتاريخ 25/3/1430هـ تقريراً يبعث على الحزن والأسى لما وصل إليه حال المعلم (نتيجة تزايد الاعتداءات عليهم من قبل طلبتهم جسدياً، وعلى سياراتهم وتهشيمها، وتحول الأمر إلى ما يشبه الظاهرة، فقد شهدت منطقة تعليمية واحدة أكثر من 90 حادثة اعتداء على المعلمين، تفاوتت ما بين الإصابات الجسدية الخطيرة والمتوسطة، وعلى سيارات المعلمين وتهشيمها، وإعطاب عجلاتها وملء خزانات الوقود بالحجارة والرمل ناهيك عن رسائل الاستفزاز والتهديد) !.. إن مثل هذه الظاهرة، إن جاز تسميتها، وما آل إليه وضع المعلم، هو أمر خطير لا يقتصر تأثيره على العلاقة بين المعلم والطالب، بل إن تأثيره مدمّر للعملية التعليمية ذاتها، إذ لا يمكن لمعلم أن يخلص لطالب ناله منه أذى، ولا يمكن لطالب أن يجلّ ويحترم معلماً لا يخلص له، كما لا يمكنه أن يأخذ منه علماً ينفعه!.. وإذاً، فإن وضع المعلم ينبغي أن يكون من أول ما تهتم به عملية التطوير الكبرى للتعليم، بحيث يتم التركيز على معرفة الأسباب التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه، لكي تتم معالجتها، .. وقد يكون من المفيد التأمل في الأمور الآتية: 1- معالجة ما يشكو منه المعلم من ظلم أو هضم للحقوق، أما نتيجة منحه أقل مما يستحق، بموجب شهاداته وقدراته، من مرتبة ومرتب، أو تأخير في صرف حقوقه، أو عدم تلبية طلبه بأن يكون في المنطقة التي يرغبها وتستقر فيها أحواله، أو عدم تدريبه، أو عدم إشراكه في الحوارات المتعلقة بالتطوير، والاستماع إلى آرائه ومقترحاته، ومثل هذه الأمور مما يؤثر في نفسية المعلم وعطائه، وشعوره بالولاء لمهنته والإخلاص لها، وهو ما يمكن أن يعزى إليه جزء كبير مما وصل إليه الحال!.. 2- إعادة النظر في أساليب العقاب والثواب في المدارس والتفكير جدّياً في العودة إلى تطبيق عقوبة الضرب، كوسيلة وليست غاية، وذلك من أجل التقويم، وتهذيب السلوك، والإشعار بالمسؤولية، والخوف من العقاب، فعقوبة الضرب موجودة قبل هذا الجيل بأجيال ولولا فائدتها الملموسة لما وجدت, ومعظم آباء وأمهات الطلبة الحاليين تعرض لوسيلة التأديب هذه، ولم يضرّه ذلك شيئاً إن لم تكن أضافت إلى سلوكه تهذيباً واحتراماً للمعلم!.. رحم الله الشاعر أحمد شوقي الذي صور قدر المعلم في قوله: قم للمعلّم وفّه التبجيلا كاد المعلّم أن يكون رسولا فما من أحد لا يحفظ هذا البيت، لكن ما من أحد يعمل به. والله من وراء القصد
إنشرها