سَيــّـــد البِيـــــدْ
حين يستفيق البرد في الرّوح، يتوشّح الشّعر .. فيهبه الدفء .. والحياة، حين يرمح البدويّ في الرّمال، تنشقّ السّماء، فتمطر شِعراً تظمأ بعده الأرض، حين يكتُب هُوَ ..وتموت أنت، ما عليك إلاّ أن تُنصِت إليه.. لتُبعث من جديد.
لا شيء يشبه شِعر " عرّاف الرّمال"! ..، ستفوح منك رائحة الشّعر كلّما قرأته، في حرفه تماماً .. ستجدون تفاصيل موسيقية، لا تفعلوا بها شيئاً! .. فقط .. ارقصوا معها!.
رغم أنّه ثار حول أشعاره لغط كبير في فترة التجاذب بين التيارات الحداثية والتيارات المحافظة بالسعودية إلاّ أنه وبعد انقطاع عنّا كثيراً في صومعة الشّعر .. عاد ليطلّ علينا من جديد، ويروي لنا .. ما كان يخبئه.
ألا أيها المخبوء بين خيامنا
أدمت مطال الرمل حتى تورّما
أدمت مطال الرمل فاصنع له يدًا
ومدَّ له في حانة الوقت موسما
سيد البيد، سيد الشعر و الصبابة، سيد الحكايات الرملية، كيف لا يوقظ فينا حِمى الروح الأصيلة، الروح الشعرية، و هو حين يكتب الشعر، فإنه يكته إلى روحنا مباشرة؟.
الشاعر البدوي الكبير .. محمد عواض الثبيتي، و من لا يعرف عراف الرمال؟، مواليد الطائف عام 1952م، حاصل على بكالوريوس علم اجتماع، أشار لنا بثلاثة أصابع : عاشقة الزمن الوردي 1982م، تهجيت حلماً .. تهجيت وهماً 1984م، التضاريس 1986م، و أعد أدبي حائل ديواناً صوتياً جديداً بصوته لم يخرج بعد.
كان من أبرز الشعراء الحداثيين في فترة الثمانينيات الميلادية من القرن العشرين، ويعد من رواد قصيدة التفعيلة الشعرية، ومن أبرز ناظميها على المستوى العربي، فازت قصيدته " موقف الرمال .. موقف الجناس"، بجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000.
بعد سنوات انقطاع إثر النزاعات التي حصلت مع التيارات الفكرية، عاد من جديد وتألق في الأمسيات الشعرية، عاد إلى أضواء الإعلام التي قليلاً ما يحب أن يكون تحتها، أبهر الشعراء في اليمن في أمسيته الأخيرة حتى أنهم طالبوا بتقديم موعدها شوقاً إلى سماء سيعلوها بشعره.
و لكن أين أنت يا سيد البيد الآن؟، لماذا اخترت أيضاً أن تنام في تلك الغرف؟، لماذا غبت و كنا نلحق صوت غيابك، وحين عدت ذهبت من جديد؟، لماذا أردت أن تغفو بهذه السكينة؟ أهي رقية جديدة تشبه رقيتك لمكتك الحبيبة؟، أيستلزم منك كتابة الشعر كل هذا النوم؟، أتحضر لنا ديواناً رملياً كاملاً أردت أن تفوح منه هذه المرة رائحة معقمات المستشفيات؟.
عزائي أن حكومتنا الرشيدة لم تقف بصمت هذه المرة أمام سقوط مثقف، هو في الحقيقة أحد أعلام الأدباء السعوديين البارزين، و هي الآن تسهم بما تستطيع كي يعود إلينا ذلك الصوت.
نم بقدر ما تشاء يا شاعرنا، لكن لا تطل الغياب، يكفينا ما فقدنا منك في سنوات، سننتظر القصائد حين تفيق، لنفيق!