إسرائيل وإفريقيا ودارفور

عملت لفترة طويلة في مواقع تلتصق أعمالها بإفريقيا, وكان لزاما علي السفر إلى دول إفريقية عديدة, سواء من خلال الإذاعة أو منظمات جامعة الدول العربية التي عملت فيها.
أذكر أن أكبر ميادين مدينة داكار عاصمة السنغال وأهم الدول الفرانكفونية وهو ميدان الاستقلال تقع فيه وزارة الخارجية السنغالية ويطل عليها فندق الاستقلال, وأبرز ما يلفت نظرك هناك هو العلم الإسرائيلي الذي وضع بعناية بحيث يصبح أبرز ما يلفت الانتباه. وفي واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو كان لي موعد مسبق مع مسؤول كبير في وزارة الخارجية, وعندما ذهبت في الموعد الذي حدده هو لم أجده, أبلغتني سكرتيرته أنه سافر في مهمة! وبعد تحريات وممارسات لغريزة الشم الإعلامي عرفت أن صاحبنا سافر إلى إسرائيل بدعوة سخية من الحكومية الإسرائيلية. وأبلغني رفاق عمله أن هذه دعوة يصعب رفضها لما فيها من متع وإغراءات. وفي نيروبي قال لي موظف المطار دون سابق معرفة "أين هديتي؟" وعندما سألت أحد الدبلوماسيين المقيمين عن سر طلب الهدية قال لي إن الإسرائيلين عودوا صغار الموظفين على الهدايا "العلاقات العامة" لتسهيل الإجراءات.
أما ساحل العاج فهي ولاية يرتع فيها الإسرائيليون, كما لمسنا من الشحن النفسي المؤيد لإسرائيل لدى عدد كبير ممن قابلناهم, وإذا اعتبرنا كافة النماذج السابقة أنشطة إعلامية, فإن موقف إسرائيل التحريضي في أزمة انفصال الإقليم الشرقي في نيجيريا حيث يعيش أغلبية الإيبو والذي أراد الاستغلال تحت اسم بيافرا وحظي العقيد أوجوكو بتسليح فرنسي - إسرائيلي حتى هزم وخرج من البلاد, ولكن إسرائيل ما زالت ترعى الإيبو, ولعلنا نلاحظ أن النخبة النيجيرية تنتمي لهذه الأقلية في مجالات التكنولوجيا والعلوم والتجارة بل وكرة القدم على حساب الأغلبية المسلمة من هوسا وفولاني, بل وعلى اليوربا التي نجحت بعثات التنصير في النيل منها وبقي الباقي وثنيا.
إسرائيل بهذا التاريخ والخلفيات لعبت أقذر لعباتها في الجنوب السوداني والشمال الشرقي الكونغولي، حيث المعادن – باعتبارها من أهم دول صقل الألماس وبيعه – والآن وبعد أن سخرت واشنطن بكامل قدراتها وقوتها لتخدم أغراضها، تتجه إلى دارفور، وتلخصت جهودها فيما يلي:

* منع الفصيل التابع لها من الذهاب إلى أبوجا للتوقيع على اتفاقية التسوية الخاصة.
* تسليح الفيصل المقاتل والنماوئ للخرطوم عبر تشاد حتى تبقى جذوة الحرب مشتعلة.
* تنفيذ توجيهات شارون منذ 2003 عندما قال إن نجاحنا في تحرير جنوب السودان يجب أن يكون حافزنا للعمل في غرب السودان.
* إنشاء دويلة دارفور في الغرب على غرار بيافرا ودويلة الجنوب السوداني التي تحلم بإكمالها خاصة بعدما أعلن أحد القادة من عملائها عن إنشائه سفارة إسرائيل في الفاشر كأول قرار له.
* إذكاء الصراع الديني بين المسلمين والوثنيين، لإنعاش فكرة الدولة الدينية وسط محيط من دين مختلف، وهو المبرر الأكبر لوجود إسرائيل.
* تزويد الإعلام الغربي الكسول والواثق أبدا في إسرائيل بمعلومات يبني عليها تحليلات وتعليقات وتكهنات زائفة, فضلا عن تنشيط الإعلام المضاد للخرطوم.
* الضغط المستمر على واشنطن لكي تتحرك وإغراؤها بالثروات واتساع الهيمنة، ولا ننسى قصصا مثل "القبور الجماعية" والأسلحة النووية. وذهبت واشنطن إلى العراق وقتلت ما يقرب من مليون عراقي ولم تجد القبور أو الأسلحة ولم تعتذر. ويثق الإسرائيليون في ضعف ذاكرة الإدارات الأمريكية فيكررون الأسطوانة المشروخة.
* تجنيد أوكامبو القاضي ظاهرا والتاجر في إسرائيل واقعا ليتولى الإدانة مع أن هناك كثيرا من حلفاء إسرائيل الأفارقة وغير الأفارقة ممن يمارسون المذابح.
* التغطية على مذابح إسرائيل في غزة بإيجاد بؤرة مشتعلة وحرب يسقط فيها القتلى لتعلن عن مذابح مروعة فتشتت الرأي العام العالمي الذي كشفها وشرع في إدانتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي