في معرض الكتاب (3 من 3)

انتهت فعاليات معرض الكتاب وانتهت معها تظاهرة ثقافية وحضارية مميزة, وكنت قد تحدثت في مقالين سابقين عن بعض مشاهداتي في المعرض لهذا العام, وأشرت في آخرهما إلى ظاهرة انخفاض أعداد وجودة الإصدارات الجديدة لدى غالبية دور النشر العربية الكبرى مقارنة بإصداراتها في السنوات الماضية باستثناء المركز الثقافي العربي الذي جاءت إصداراته لهذه السنة مميزة إلى حدٍ كبير ولافت.
وبما أن الحديث عن المركز الثقافي العربي فيجب أن أشير إلى أنه الوحيد من بين دور النشر العربية الشهيرة الذي ما زال متمسكاً بنهجه في نوعية الإصدارات وجودتها, ففي الوقت الذي جنحت فيه معظم الدور إلى نشر الإصدارات الأدبية المتهافتة سعياً وراء المادة دون اهتمام بالعملية الإبداعية وخصوصاً تلك الأعمال المتعلقة بالمجتمع السعودي.. بقي المركز الثقافي العربي مخلصاً لتاريخه ومهتماً بجودة الإصدارات دون أن يسأل عن حجم المبيعات المتوقعة من كل إصدار, ولعل من أهم الإصدارات التي تميز بها أغلب مؤلفات (ميشيل فوكو) بجانب مؤلفات (فاطمة المرنيسي) وهي كما يعلم كثير من المتابعين للمشهد الثقافي مترجمة في غالبها عن الفرنسية.
لكن وجرياً على المثل العربي المعروف "رب ضارة نافعة" فقد قادني إحباطي من فقر النتاج الجديد لمعظم الدور الشهيرة إلى دور نشر ليست معروفة ومعظمها من مصر الشقيقة التي يعتقد البعض أن دور النشر فيها انتهجت منذ سنوات النهج التجاري البحت مبتعدة عن القيمة الفنية والفكرية للإصدار ورغم أن هذه صفة طاغية على عديد من دور النشر المصرية إلا أن هناك دور شاركت هذا العام في المعرض لأول مرة وأبهرت زواره بإصداراتها الفكرية والفلسفية والتاريخية وعلى رأس هذه الدور دار مصر المحروسة .
ولا أخفيكم أنني وقعت في جناح هذه الدار بالمصادفة لأكتشف أن الرجل الذي يبيع الكتب فيها ليس سوى نائب رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية!
كانت مصادفة جميلة جعلتني أطيل وقفتي متصفحاً الكتب التي وجدت من بينها كتباً لا يمكن أن تشير إلا إلى شيء من اثنين هما ارتفاع سقف الرقابة لدينا بشكل كبير جداً وأكبر من كل التوقعات أو أن الكتب الموجودة وصلت إلى المعرض دون أن تمر على رقابة أبداً!
كانت مؤلفات المفكر المصري (سيد القمني) مصفوفة بجوار بعضها في جناح هذه الدار وهي حالة من النادر حدوثها حتى في مصر نفسها فمن أبرز مؤلفات (القمني) المثيرة للجدل والتي تمت مصادرتها من مكتبات مصر وتمت مقاضاته بسببها أمام محكمة أمن الدولة كتاب (شكراً ابن لادن) وهو كتاب يفضح ممارسات الجماعات المتطرفة ويؤكد أن هذه الجماعات تفضح نفسها بنفسها ولذلك فهي تستحق الشكر لأنها لم تحمل أحداً عناء فضحها.. وقد تم تكفير المؤلف من قبل بعض المتطرفين في مصر بسبب هذا الكتاب وتلقى بسببه أيضاً تهديدات بالقتل تحدثت عنها غالبية وسائل الإعلام آنذاك, لكن الجميل في الأمر كله أنني استطعت شراء هذا الكتاب من معرض الكتاب في الرياض هذا العام !
ولابد أن أشير إلى أن الدار المعنية ورغم كل المؤلفات التي عرضتها في جناحها لم تحظ بربع الإقبال الذي حظيت به دور أخرى بسبب شهرة أسمائها, وهذا يدل على أن القارئ تمت برمجته خلال السنوات الماضية على أسماء معدودة ومعينة اختزلت جميع دور النشر العربية, وأنا أحد هؤلاء القراء وكم كنت بحاجة إلى أن أحبط من إصدارات تلك الدور لأكتشف منابعاً أفضل لا ضجيج لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي