البقالات .. والأزمة المالية!
إذا صدقت التنبؤات والتوقعات التي تصدرها بعض المؤسسات المالية فيما يتعلق باتجاه عدد من الشركات السعودية إلى تعليق التوظيف خلال 2009 وربما خلال 2010 أيضا فإن ذلك يعني شيئا واحدا وهو أن فرصة الحصول على عمل في القطاع الخاص ستكون صعبة ما لم تواجه المشكلة قبل بدايتها.
هذا الاستنتاج مرده أن أغلب الفرص الوظيفية سواء كانت في شركات كبيرة أو مصانع منتجة لا بد أن تتأثر بالأزمة العالمية بشكل أو بآخر، ولأن القطاعات الأخرى في السوق, ونقصد هنا المنشآت الصغيرة والمتوسطة, متشرذمة وتخضع لسيطرة الأجانب عملا وتملكا.
أما مثل هذه المعطيات، ربما نرى مزيدا من الإقبال على الوظائف الحكومية، وتنافسا في وظائف بسيطة لا تحقق الطموح بل ستكون وسيلة إلى تعميق ظاهرة البطالة المقنعة في الجهاز الحكومي، وهي الظاهرة التي لا يستطيع أحد إخفاءها، فضلا عن كون مثل هذا الاتجاه سيحبط جهود وزارة العمل في توسيع قاعدة التوظيف في القطاع الخاص المنتج.
لكن ماذا لو حدث إحجام الشركات بالفعل، كيف ستواجه وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية المشكلة؟ هل سيستمر الصندوق على الوتيرة نفسها في الدعم المالي الموجه للشركات التي توظف السعوديين حيث يتحمل جزءا من الراتب لمدة سنتين؟ وهل ستقف وزارة العمل موقف المتفرج؟
الحل يكمن في مسارين, الأول النظر في إمكانية توسيع دعم صندوق الموارد البشرية للشركات الموظفة خاصة أنها الآن أمام انكماش اقتصادي، سواء من خلال مد سنوات المشاركة في الراتب إلى ثلاث سنوات، أو رفع معدل المشاركة في الراتب الشهري للعامل السعودي. وفي ذلك مساعدة للشركات على تجاوز مأزق الأزمة العالمية، لكن هذا المسار له سقف أعلى وحد لا يمكن تجاوزه، فالشركات التي تقلص إنتاجها أو توقف خطوطها لن تستوعب عددا كبيرا من الموظفين وبالتالي حتى هذا الخيار لا يكفي. وبالمناسبة الأسبوع لماضي قال الصندوق في تقرير نشر في "الاقتصادية" إنه لم يرصد حتى الآن توقف التوظيف, انتهى. لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن رصد الظاهرة خلال الأشهر المقبلة.
أما المسار الثاني لمواجهة المشكلة فهو ضرورة العمل "بقوة" لإعادة تصحيح وضع قطاع البقالات والسوبر ماركت والمحال الصغيرة بحيث يكون هذا القطاع مجالا مناسبا لخلق فرص عمل مغرية للمواطنين على مدى الأعوام المقبلة، خاصة أنه يخضع حاليا لسيطرة الأجانب عليه بشكل خرافي. التصحيح المقصود لا بد أن يكون تشريعيا وتنظيميا ورقابيا في آن واحد. وعندما نذكر هذا القطاع تحديدا فلأن تركه كما هو حاليا يمثل خطورة أمنية على البلد بل كارثة اقتصادية، في ظل أنه يدر أرباحا كبيرة جدا، وفيه فرص وظيفية بمئات الآلاف ميزتها أنها متوافرة في جميع شوارعنا.
هل تكون مثل هذه الأزمة وسيلة مناسبة لإعادة هيكلة ومسار القطاعات الصغيرة التي تشكل النسبة العظمى من الاقتصاد المحلي، أم سنكون أمام جيش من العاطلين لن يكون بمقدور الوظائف الحكومية مهما بلغ عددها استيعابهم؟ الله أعلم.