عبد الله جمعة وأمثاله .. ماذا نفعل بهم وبم نكافئهم؟

أمثاله هم من شابهوه في الخدمة والإنجاز والعطاء اللامحدود لمملكتنا الغالية على مدى العقود الأربعة الماضية. أمثاله هم من حملوا على أكتافهم هم البناء والتشييد والتطوير والتعليم في سنوات لم يكن في المملكة إلا قليل ممن لديهم أبسط المؤهلات والمهارات أو حتى أقل معرفة بالمدنية والطريق نحو التحضر. أمثاله هم من ارتقوا بمستوى قطاعاتهم ومنظماتهم وأقسامهم ووحداتهم إلى مستويات جديدة ملبين احتياجات اليوم وعاملين على تطويرها لتواكب تحديات المستقبل. أمثاله هم من عملوا جاهدين على تأسيس ثقافة الإنتاج والإبداع والابتكار, خالقين ليس فقط منظمات ذات حس مرن وديناميكي ناجح فحسب، بل أحسنوا الاستثمار في العاملين فيها بإكسابهم مهارات وفكرا إبداعيا عاليا. أمثاله سعوديون وصل بهم الوقت إلى قمة المعرفة والخبرة والدقة في تحليل التحديات والتعامل معها. أمثاله سعوديون وصل بهم الوقت إلى مرحلة إعطائهم القيادة في منظماتهم إلى سعوديين آخرين ممن عملوا على تأهيلهم وتدريبهم وإسقائهم من صافي تجربة العقود الأربعة في حالي نجاحاتها ومر أزماتها, حِكَماً في مصاهرة الوقت ومناسبة تقلباته ومعاشرة أحداثه. أمثاله سعوديون قيمتهم لا تقدر بمقدار ولا تعد بعدد ولا توصف بمال. قيمتهم اليوم, والبعض منهم بدأ تقاعده والبعض الآخر في طريقه إلى التقاعد, تملأ قلوب المدركين والمقدرين لما قدموه للسعودية ولأجيالها القادمة. تقاعدوا عن العمل الرسمي وعن الدوام اليومي, تقاعدوا في آخر الخمسينيات وأول الستينات من أعمارهم, تقاعدوا ولديهم كم هائل من المعرفة والخبرة. ماذا نفعل بمثل هذه الثروة وبمثل هذه العقول وهم لا يزالون قادرين على العطاء المباشر وغير المباشر؟ وكيف لمجتمعنا من أن يجازيهم خير جائزة وخير تكريم؟ وكيف لنا شكرهم شكراً لا ينتهي يليق بما قدموه لمملكتنا؟

السعودية اليوم تعمل جاهدة على تأسيس وتطوير اقتصادها المعرفي, صارفةً كثيرا من الموارد على الأجيال الناشئة. إلا أن مستوى الخبرة الذي نطمح لتحقيقه سوف لن يتحقق في السنوات القليلة المقبلة. فإحدى أهم دعائم الاقتصاد المعرفي هي المستوى المعرفي لمنظمات المجتمع من حكومية وغير حكومية, أي أن لعبد الله جمعة وأمثاله من ذوي الرصيد المعرفي الضخم دورا لا يزالون قادرين على الإسهام به. لا نتوقع عبد الله جمعة أن يرجع لإدارة "أرامكو" فهو قد أمضى في أعلى كراسيها الإدارية أكثر من 12 عاماً ولكن لا يزال له دور يمكن أن يسهم به في أعمال استشارية ليس في "أرامكو" ولكن في الشركات السعودية الأخرى والمؤسسات الحكومية والجامعات التي تحتاج إلى إثراء لقواعدها الاستشارية ومصادرها الفكرية والإبداعية. بالطبع عبد الله جمعة سوف يكون أمامه كثير من العروض للبقاء في دوره الاستشاري الذي يلعبه منذ سنوات وسوف يكون أمامه عروض جديدة، ولكن أمثاله ممن أسهموا في مجالات اقتصادية وحكومية مختلفة ولهم رصيد كبير من الخبرة والمعرفة لا يجدون قنوات مفتوحة أمامهم للإسهام في رفع المشاركة الاستشارية في شتى المجالات في المملكة. لا بد لنا من توسيع نطاق الاستفادة من أمثال عبد الله جمعة من مديرين وأكاديميين وأطباء ومهندسين وعسكريين وإعلاميين وغيرهم كثير ممن أشرفوا على التقاعد أو تقاعدوا في السنوات القليلة الماضية. ما نفتقده هو خلق مشاركة رسمية أو غير رسمية بين هذه الخبرات وبين الشركات والمؤسسات الحكومية، فكثير من المؤتمرات والندوات لا يكون لمن تقاعد دور كبير فيها!!

لنا فيهم كثير من الفخر وعلينا لهم كثير من الشكر والامتنان ولنا في منظماتنا الكثير من الأمل في فتح القنوات لاستمرار هذه الخبرات في العطاء، فاستمراريتهم ستضمن حفظا مستمرا لرصيدنا التراكمي من المعرفة. ثقافتنا ثقافة كرم وللتكريم والشكر والعرفان فيها مكان القلب. البعض أمثال عبد الله جمعة قدموا للسعودية خدمات وإنجازات كبيرة وواجب بلد الكرم إكرامهم وشكرهم، ليس من أجل الشكر فحسب بل من أجل الحفاظ على ثقافة التقدير لمن أخلص لبلده وأبدع في عمله ومهنته. هل لنا بجوائز أو إعطاء ألقاب لتمييز أمثال عبد الله جمعة في كل رأس سنة؟ جوائز وطنية لمواطنين أخلصوا في تنمية هذا الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي