صحة رؤساء الدول
يقول دفيد أوين الطبيب السابق السياسي اللاحق على ما روى لي الأخ أنس القادري، عن أنتوني إيدن السياسي البريطاني الذي خلف تشرشل بعد طول انتظار، إن تقديره للأمور أصيب بقدر كبير من الضعف عندما اتخذ بعض القرارات الخطيرة التي كان من أهمها قراره الدخول في الحرب بالتواطؤ مع إسرائيل، وخداعه للرئيس الأمريكي، وإخفاؤه قرار المشاركة عن مجلس العموم والكذب عليه حتى بعد بدء العمليات. فقد نجح المسؤولون الإسرائيليون والفرنسيون في إغراء إيدن بالمشاركة، رغم ما عرف عنه من حذر في مثل هذه الظروف، وكان قراره هذا خاطئا من الناحية الاستراتيجية، وتسبب فيه إصابته بالمرض والعلاج الذي كان يتناوله كما يقول أوين.
وليست الأمراض التقليدية فقط هي التي تصيب رؤساء الدول حسبما يرى أوين، ذلك أن الوجود في السلطة قد يتسبب في تغيرات نفسية تؤدي بدورها إلى شعور بالزهو والنرجسية وبروز تصرفات غير مسؤولة. ويعتقد الرؤساء المصابون بهذه الأعراض أنهم قادرون على إنجاز أعمال عظيمة، وأن هذه الأعمال العظيمة متوقعة منهم دائما، وأنهم قادرون على اختيار أفضل القرارات في الظروف كافة، وأن أعمالهم لا يمكن أن تحدها القيود التي تحد أعمال الأشخاص العاديين. بل يصر مثل هؤلاء الأشخاص على أن الشعوب التي يحكمونها قوى خيرة لا يمكن أن تبادر إلى ارتكاب عمل خاطئ، وأنهم ببقائهم في السلطة لأطول فترة ممكنة يتيحون المجال لتطور هذه الخصال. ويضرب المؤلف عديدا من الأمثلة على ذلك، مثل الرئيس الصيني ماو تسي تونغ والرئيس الكوبي فيدل كاسترو والرئيس الزمبابوي روبرت موغابي.
ونتيجة هذا كله في رأي المؤلف الفشل في اتخاذ السياسات الصحيحة.
ولتوضيح أعراض (متلازمة هوبريس) يركز أوين على قيادي يعرفه جيدا هو رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وآخر حظي بمقابلته هو الرئيس الأمريكي جورج بوش. وعن بلير، الذي فكر في احتراف مهنة التمثيل قبل أن تجرفه السياسة، يقول المؤلف إن السياسة منحته مسرحا كبيرا لممارسة هواية التمثيل، مشيرا إلى أن السياسيين الممثلين يتصفون عادة بقدر كبير من النرجسية. وإضافة إلى ذلك سيطر على بلير شعور بأن دوافعه في كل ما يأتي به سليمة دائما، وهذه الثقة هي التي جذبته إلى الرئيس الأمريكي بوش، الذي ينتابه أيضا شعور بأن أعماله تستهدف دائما تحقيق أهداف عليا.
وقد يلجأ السياسي المصاب بهذا الداء إلى الكذب، وربما اتخذ قرارا بغزو دولة أخرى من أجل تحقيق أهدافه التي يعد تحقيقها رسالة يجب عليه أن يبذل كل ما في وسعه لتحقيقها. وبمرور الوقت، وتزايد نفوذه نسبة لبقائه الطويل في السلطة، وتأييد المقربين لكل ما يتخذه من قرارات، تقوى لدى مثل هذا السياسي ثقته المفرطة بنفسه، وعندئذ يبرز المرض في أجلى صوره. ومن الأخطاء التي يقع فيها الأطباء في نظر المؤلف اعتقادهم الدائم قدرة مرضاهم على اتخاذ القرار، ومثل هذا الخطأ الذي يتكرر يوميا يمكن أن يؤدي إلى نتائج خطيرة إذا كان المريض تحت العلاج رجل دولة.
وأوين ليس أول من لاحظ إصابة رؤساء الدول بمتلازمة هوبريس، ولكنه أول من أكد الصفة المرضية للحالة، ودعا إلى دراستها بجدية، وطالب ببحث تأثيراتها في صنع القرار. ويبدو رأيه هذا منطقيا، وخاصة إذا أمعنا النظر في السنوات الثماني لفترة الرئيس الأمريكي بوش، ولذلك فإن قراءة هذا الكتاب ضرورية بالنسبة للأطباء الذين تهمهم صحة رؤساء الدول، كما أنها ضرورية أيضا بالنسبة لهؤلاء الرؤساء أيضا.