متلازمة "هوبريس" عند صناع السياسة

ظهر للسطح كتاب يسلط الضوء على أهمية صحة السياسيين العقلية والبدنية عند اتخاذ القرارات، هو للسياسي الطبيب البريطاني دفيد أوين، بعنوان مرض من كان في منصب القوة.
وأذكر أنا من كتب هيكل أنني حين أقرأ لمقابلاته مع روكفلر الأمريكي والشاه البهلوي أو مونتجمري قائد الصحراء البريطاني ضد رومل النازي، أن هؤلاء القياديين والسياسيين والحكام وأباطرة المال ؟؟ كانوا ينحنون لهيكل ويطلبون وده؟!!
وهو مرض انتفاخ من كان في السلطة أو شم رائحتها وذاق طعمها، ولذا لا أحمل كلامه محمل الجديد، ولذا لم أكلف نفسي بسماع أي حلقة مما تحدث بها في الجزيرة، فكلها سوالف كما يقول السعوديون، وأفضل لنفسي أن أرجع للمصادر الألمانية الموثقة فهي تزيدني علما..
مع هذا فأنا أقرأ للجميع مع فلترة الأخبار..
وقصة الأمراض عجيبة فلولا المغناج يوجينيا وولي عهدها مع مرض زوجها نابليون الثالث، لربما لم تنفجر حرب 1870 بين ألمانيا بسمارك وفرنسا ولما مات 170 ألفا من الأنام، وربما انقلبت محاور التاريخ على نحو مختلف، فالأقدار العجيبة تفعل، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ..
ودفيد أوين ـ وأنا أنقل من الأخ القادري الذي أطلعني على هذا الموضوع الذي أشتغل عليه أنا شخصيا منذ أمد بعيد ـ كان قد عني منذ تخرجه من كلية الطب في عام 1962م بهذا الموضوع وكان محط اهتمامه؛ فبعد أربع سنوات فقط من ممارسته مهنة الطب وإجرائه بعض البحوث عن كيمياء الدماغ اختير نائباً في البرلمان البريطاني عن حزب العمال، مرشحاً من دائرته في منطقة بلايموث سوتون شمال غرب الجزيرة البريطانية.
ولفترة وجيزة حاول أوين الجمع بين العمل البرلماني وبحوثه في مجال الطب، ولكنه في عام 1968م قرر ترك مهنة الطب التي لم يعد إليها مطلقاً.
ومنذ ذلك الحين عمل أوين وزيراً للصحة، ثم وزيراً للخارجية ورئيساً للحزب الديمقراطي الاجتماعي، ويعمل حالياً مديراً لجامعة ليفربول وعضواً في مجلس اللوردات.
وفي السنوات الست التي قضاها في مهنة الطب تعرف أوين إلى عدد من الأطباء الذين كانوا يعالجون كبار السياسيين، ولاحظ على الفور الضريبة التي يفرضها العمل السياسي على الشخصيات العامة.
وهكذا بدأ يهتم بالعلاقة بين الصحة والسلطة، وهو الاهتمام الذي بلغ ذروته عندما اكتشف ما أصدر كتابا بعنوان (متلازمة هوبريس).
وتتركز الفكرة التي يدور حولها هذا الكتاب في أن تولي السلطة يتسبب في تغيرات في الحالة العقلية والسلوكية للشخص، وأن هذه التغيرات ليست مجرد تغيرات في السمات الشخصية للفرد، بل هي حالة مرضية أطلق عليها المؤلف اسم (متلازمة هوبريس)، ومن ثم يصل الكتاب إلى نتيجة مؤداها أن المرض العقلي ينبغي إعادة تعريفه ليشمل هذه الحالة. وفي هذا الكتاب الأخير للمؤلف الذي أصدره بعنوان (في المرض وفي السلطة) ينظر المؤلف في حالات معينة ساهمت فيها الإصابة بأمراض معينة، مع الإصابة بهوس السلطة، في تشكيل عديد من القرارات الكبيرة لبعض قادة العالم في القرن العشرين.
ويتناول الكتاب بالشرح حالات أربعة سياسيين أضعفت الأمراض التي عانوا منها قدراتهم على اتخاذ القرار في ظروف الأزمات، وهؤلاء السياسيون هم رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن، الذي عانى من إصابة المسالك المرارية أثناء أزمة السويس في عام 1956م، والرئيس الأمريكي جون كنيدي الذي أصيب بمرض الغدة الدرقية خلال أزمة خليج الخنازير في عام 1961م، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي أصيب بسرطان الدم في السنوات الأخيرة من حكمه، والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، الذي كان يصارع سرطان البروستاتا في الفترة بين عامي 1981م و1995م، أثناء حرب الفوكلاند، وتفتت يوغسلافيا وعمليات التطهير العرقي في رواندا.
وبين كل هذه الحالات تبقى حالة رئيس الوزراء البريطاني إيدن، الذي أصيب بمرض المسالك البولية أثناء أزمة السويس، أوضح نموذج تاريخي لتأثير الإصابة بالأمراض الخطيرة في القرارات السياسية. لم تكن تصرفات إيدن طبيعية أثناء سير الحرب، التي شاركت فيها كل من المملكة المتحدة وفرنسا وإسرائيل في الهجوم على مصر من الجانب الآخر. فقد كان متوترا وقلقا، وعانى الأرق، وحسبما يقول أوين فإن فشله في مواجهة ظروف الحرب المعقدة - التي انطوت على مصالح متعارضة لأربع دول متحاربة، بينها دولتان عظميان، إضافة إلى تعقيدات التعامل مع قرارات الأمم المتحدة - يعود إلى تقلبات المرض الذي أصيب به خلال هذه الفترة، إذ من المعروف أنه يسبب اضطرابات الكبد ونوبات من الحمى. ولم تكن تأثيرات العقاقير التي كان يتناولها بأقل من تأثيرات المرض نفسه، فعقار الدريناميل، على سبيل المثال، يسبب التوتر والحساسية الشديدة وفرط الثقة بالنفس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي