رئاسة أوباما: أين يجب أن تقع الصين على قائمة أولوياته؟
حين سئل الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما عن الأولويات في سياسته الخارجية، حين سمته مجلة التايم (شخصية السنة)، فقد أورد الانتشار النووي، والتغير المناخي والفقر العالمي، إضافة إلى العراق وأفغانستان وإيران وحلف الأطلسي وروسيا والصراع الإسرائيلي الفلسطيني ـ ثم، كفكرة خطرت على باله أخيراً - "إدارة علاقتنا مع الصين ومنطقة المحيط الهادئ بأسرها".
وهذا شيء جيد إلى حد ما لأنه يعكس الوضع الهادئ نسبياً لتلك العلاقة، دون وجود أي أزمة تحتاج إلى انتباه رئاسي فوري.
لكن يتوجب على الرئيس المقبل أن يدرك أن الصين ليست مجرد علاقة يتوجب إدارتها، وربما تكون العلاقة الرئيسة التي يتوجب على الولايات المتحدة أن تعززها إذا أراد أوباما أن يحرز النجاح في جميع مجالات أولويات سياسته الخارجية الأخرى.
في القرن الـ 21 لا توجد أي علاقة أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، وهذا لا يعني أن بإمكان واشنطن أن تتخلى عن شبكة تحالفاتها في أوروبا وفي آسيا، فتلك التحالفات مهمة، لكن على واشنطن أن تولي اهتماماً أكبر بدور الصين في العقود المقبلة.
وهذا أيضا لا يعني أن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ففي واقع الأمر فإن تنصيب أوباما وإغلاق مركز الاعتقال في جوانتانامو يجب أن يساعدا على استعادة مكانة واشنطن الأخلاقية، ووضعها في موقف أقوى لدعم حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم لأنها يجب ألا تظل متهمة بالرياء.
ومما لا شك فيه أن إدارة أوباما تدرك أن العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين عبارة عن شبكة معقدة من العلاقات، ولا يمكن للعلاقة الشاملة أن توضع رهينة لأي خيط من خيوط هذه العلاقة، بغض النظر عن أهميته.
وهذا لأن التعاون في القرن الـ 21 بين واشنطن وبكين شيء مهم، ليس فقط لهذين البلدين، بل لسائر بلدان العالم أيضا، فعدم الانتشار النووي والتغير المناخي مثلاً، لا يمكن التصدي لهما دون تعاون صيني، وبوجود مثل هذا التعاون يكون هنالك أمل حقيقي في تحقيق تقدم.
والصين تتعاون حالياً حول القضية النووية الكورية الشمالية، وإلى حد ما حول القضية الإيرانية أيضا.
وبالنسبة للتغير المناخي – وهي قضية تصمم إدارة أوباما على إعطائها أولوية بشكل يتراجع عن ثماني سنوات من التراخي وقلة العمل – فإن واشنطن في أمس الحاجة إلى تعاون بكين، لأن الصين تجاوزت الولايات المتحدة كأكبر مطلق لغازات الاحتباس الحراري في العالم.
ولن يتم ابتزاز الصين لجعلها تتعاون، لكن يمكن إقناعها إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تأخذ زمام القيادة وتعلن دون أي شروط عن خططها لتقليص الانبعاثات، وما هو شيء مشجع أن هذا هو ما يخطط أوباما ومستشاروه للقيام به.
وفي ضوء مواجهة الولايات المتحدة أزمة اقتصادية ذات حجم تاريخي من حيث شدتها فمن المحتمل أن يكون هناك ضغط من الكونجرس ومن النقابات ومن قطاعات إعلامية لتحويل المسؤولية عن محنها الاقتصادية من عوامل أمريكية داخلية إلى الصين، وهو تجسيد صارخ للعولمة.
وقد يكون من الصعب على أوباما أن يقاوم مثل هذا الضغوط لأنه كان قد اتهم الصين خلال الحملة الرئاسية أنها تتلاعب بعملتها، وتعهد أوباما قائلاً: "إنني كرئيس، سأستخدم كل هذه السبل الدبلوماسية المتوافرة لأسعى إلى تغيير في ممارسات الصين إزاء عملتها".
وقول هذا أسهل من القيام به، فمن جهة، فإن الاتهامات الأمريكية أن الصين لا تعمل بقواعد السوق سيكون من الصعب إثبات صحتها لأن واشنطن قامت فعلاً بتأميم جزئي لجميع الصناعات من خلال عمليات إنقاذ بعدة مليارات من الدولارات، وهي لم تعد تملك السلطة الأخلاقية لتقول للصين إن عليها أن تجعل السوق يقرر أموراً مثل قيمة عملتها.
وإدارة بوش، بينما انتهجت سياسة نحو الصين كانت إيجابية عموماً، فإنها قامت بأشياء أغضبت الصين، ومثال ذلك أنها رفضت أن تحفظ كرامة الرئيس هو جنتاو بوصف زيارته إلى واشنطن عام 2006 أنها "زيارة رسمية" ورفضت استخدام عبارة "حوار استراتيجي" للمحادثات على مستوى رفيع بين البلدين، قائلة إن هذه العبارة لا تستخدم إلا مع حلفاء مثل اليابان.
ويجب على إدارة أوباما المقبلة أن تظهر أنها ترغب في معاملة الصين باحترام أكبر، ويمكن أن يكون أحد أوجه هذا الموقف الجديد زيارة مبكرة إلى بكين يقوم بها الرئيس أوباما المنصّب حديثاً.
ويمكن أن تكون خطوة مثيرة أخرى، عرض التعاون مع الصين في مهمة فضائية، ففي وقت قام فيه رائد فضاء صيني بأول مشي في الفضاء وفي الوقت الذي يعود فيه الاهتمام بالفضاء إلى البروز في الولايات المتحدة، فإن مشروع فضاء مشتركاً يمكن أن يؤدي ليس فقط إلى إظهار الاحترام الأمريكي للتكنولوجيا الصينية بل يمكن له أن يأسر خيال العالم لما هو ممكن إذا عمل البلدان معاً.