رجال الأعمال والكراسي البحثية.. لماذا جامعة الملك سعود؟

في السنوات القليلة الماضية ظهرت حركة تبرعات رجال الأعمال السخية من خلال تأسيس كراسي بحثية في بعض الجامعات السعودية وبالذات في جامعة الملك سعود. ثقافة العطاء والتبرع ثقافة موجودة وبقوة في مجتمعنا إلا أنها لم تكن موجهه بهذا الكم إلى الجامعات السعودية وخاصةً في دعم الحركة البحثية التي كانت راكدة في الكثير من جامعاتنا. في حين أن هذا التوجه من رجال الأعمال يجب أن يشجع ويستمر، إلا أن نسبة كبيرة من هذه التبرعات أو الدعم البحثي ذهبت إلى جامعة الملك سعود! هذا يدع إلى الوقوف والسؤال لماذا جامعة الملك سعود؟ ما سر حب رجال الأعمال للتبرع لهذه الجامعة بهذا القدر من المال والذي فاق العشرات من الملايين وهو ما لم تحظ به الجامعات الأخرى؟ هل هذا بسبب ثقة رجال الأعمال بأن هذه الجامعة ستستغل هذه الأموال بشكل ينتج عنه بحوث ودراسات أكثر فائدة للمجتمع والاقتصاد السعودي؟ أم أن رجال الأعمال يرون أن هذه الجامعة تمتلك أكاديميين أفضل من الجامعات الأخرى؟ أو قادرين على القيام بدراسات وبحوث يكون لها وجود في أرض الواقع ستتمكن من خلالها شركات المتبرعين من زيادة مقدرتها التنافسية؟

الكراسي البحثية موجودة منذ وجود الجامعات وهي وسيلة مهمة في تعزيز البحث العلمي وتوليد المعرفة والرفع من مستوى الإبداع والابتكار وتحسين مستوى الفهم الأكاديمي والتنفيذي والاجتماعي. عادةً ما يبحث المؤسسون للكراسي البحثية عن جامعات تربطهم بها روابط عاطفية فقد يكونوا من خريجيها أو قد يكون أحد أبنائهم قد درس فيها، ومنهم من يبحث عن الجامعة التي ستنتج بحوث ودراسات رفيعة المستوى ومفيدة إما لشركة المتبرع أو لخدمة المجتمع في تخصص ما أو لمساعدة الأكاديميين في تطوير وسيلة بحثية قد يكون لها فائدة أكاديمية. الحقيقة أن أسباب التبرع والدعم للبحث العلمي تتعدد وتتباين، إلا أن مسألة اختيار الجامعة التي يتبرع لها رجال الأعمال السعوديين غير معروفة بشكل دقيق وخاصةً في ظل تشابه الجامعات السعودية الكبير.

من أهم الأسباب التي حركت الحس البحثي وزادت من أهمية البحث العلمي لدى رجال الأعمال هو تبني خادم الحرمين الشريفين-حفظه الله- لإصلاح التعليم العالي وتركيزه في نشر ثقافة البحث العلمي لتعزيز المستوى المعرفي الداعم لاقتصاد المملكة. في خلال هذا التحول الثقافي والذي لايزال مستمراً، نجح مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العثمان في جذب الكثير من الدعم من رجال الأعمال لجامعته مستغلاً هذا التحول الثقافي في المملكة. غير أن أحد الأسباب التي شجعت رجال الأعمال على التبرع لجامعة الملك سعود بهذا الكم مقارنة بمثيلاتها من الجامعات يرجع إلى أن الجامعة تقع في العاصمة الغالية القريبة من الجاه الوزاري الذي قد يضفي بعضاً من العزة والغبطة لأهل الجيوب السخية. عاصمتنا الغالية هي مجمع الأنوار الإعلامية، فهذه الأنوار الإعلامية مهمة في عملية التبرع وقد تكون في بعض الأحيان السبب الرئيسي في ذلك. رافق أو صادف هذا التحول في ثقافتنا المعرفية ارتفاع كبير في أهمية المسؤولية الاجتماعية من قبل الشركات مما جعل من الكراسي البحثية وسيلة لإبداء مسؤولية أكبر تجاه المجتمع.

مع نجاح جامعة الملك سعود في جذب وخلق روابط أقوى مع القطاع الخاص وحصولها على دعم من شركاتنا الكبرى مثل (أرامكو) و(سابك) التي تبرعت بأكثر من كرسي والاتصالات السعودية التي أنشأت برنامج "الوفاء التعليمي" فإن المأمول والمتوقع من هذه الجامعة في المستقبل القريب كبير جداً. أي أن السنوات المقبلة ستبين مدى مقدرة الجامعة وأكاديمييها في استغلال هذه الأموال في تحسين أدائها الأكاديمي وخاصةً في الجانب البحثي. هي فرصة ذهبية لا تتحقق بهذا الكم للكثير من الجامعات في العالم فالكثير من الأكاديميين يدركون مدى أهمية المال في تطوير وتطبيق بحوثهم.

مع هذه الطفرة من التبرعات من الشركات السعودية إلا أنها مركزة على القليل من الجامعات السعودية في المناطق الثلاث الرئيسة التي تنعم بالأضواء الإعلامية وبالآذان الصاغية لكل إسهام وتبرع. الغريب أن سخاء وكرم وإحساس رجال الأعمال بالمسؤولية الاجتماعية لم يشمل الجامعات في المناطق الأخرى. قد يقول البعض بأن هذه الجامعات لا تزال تحت الإنشاء أو قد لا يكون لديها المقدرة على القيام بالبحوث التي تتطلع لها الشركات والمتبرعين! جامعة الملك خالد في أبها، على سبيل المثال، تخطت مرحلة التأسيس إلا أن نصيبها من هذه التبرعات منخفض جداً. مرحلة تطور أي جامعة يجب ألا يعوق حصولها على الدعم من القطاع الخاص. الأكاديميون في جامعة الملك خالد والجامعات الأخرى لديهم المؤهلات نفسها والتجربة نفسها لزملائهم في جامعة الملك سعود أو عبد العزيز، أي أن المجادلة لا تعير نفسها لهذا التمييز بين الجامعات ولا تُقبل منطقيتها، فالحقيقة أن للمكان أو الموقع أهمية، نتمنى لو أن الإحساس بالمسؤولية نحو الوضع الأكاديمي في السعودية لدى رجال الأعمال شمل المناطق التي قد لا يكون لشركاتهم فائدة تجارية كبيرة فيها مثل جامعة تبوك شمالاً وجامعة نجران جنوباً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي