هل تدفع غزة ثمن الحذاء؟
بعد أقل من ثلاثة أشهر من دخول جورج بوش (الابن) البيت الأبيض، اجتاحت القوات الإسرائيلية الأراضي الفلسطينية، وهاجمت الدبابات مخيمات اللاجئين في خان يونس وبيت حانون. وفي صيف 2001، اجتاحت القوات الإسرائيلية غزة، وشددت عليها الحصار، ليغلي الشارع العربي مطالباً بإنهاء هذا الهجوم السافر. غير أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تكن راغبة في التدخل في شؤون الشرق الأوسط كما كانت سابقتها (إدارة كلينتون)، ولكن الدبلوماسية السعودية نجحت في الضغط على إدارة بوش، واستطاع الملك عبد الله انتزاع اعتراف من الرئيس الأمريكي، ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، يفيد بموافقة الولايات المتحدة على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وأن هذا هو أحد أهداف الإدارة الجديدة. تنفس العرب الصعداء جراء هذا النجاح الدبلوماسي الباهر، وبقينا في انتظار إعلان إنشاء هذه الدولة. وحصلت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لتؤخر هذا الحلم إلى أجل غير معلوم، بيد أن قلة في العالمين العربي والإسلامي ابتهجوا حين ضربت الولايات المتحدة في عقر دارها، وعرفت أخيراً معنى الخوف، ولكن هذه البهجة خشيها العقلاء في العالم، إذ إن المتضرر الرئيس سيكون العالمين العربي والإسلامي، وهذا ما حدث بالفعل، ومازلنا نعاني تبعات تلك الهجمات.
في الأشهر القليلة الماضية، بدأت تحركات دبلوماسية لإعادة إحياء خطة السلام العربية المقترحة، وبدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي في التلميح إلى وجود عديد من النقاط الإيجابية في المشروع. وأشار الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما إلى أن هذه الخطة يمكن استخدامها كأرضية مشتركة لانطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط. وتشير الصحافة الإسرائيلية إلى أن أوباما قد يتبنى الخطة العربية بكاملها، وفي هذه الأثناء تجتاح القوات الإسرائيلية غزة مرة أخرى، لتؤجل هذا الحديث إلى أجل غير مسمى.
ابتهج العالم العربي بحادثة الحذاء، وأبصروا فيها انتقاماً للكرامة العربية المهدرة بعد أحداث أيلول (سبتمبر)، ولكن خشي العقلاء أن مثل هذا الموقف الصبياني سيؤثر في موقف العالم العربي، على الأقل مستوى العقلانية الإعلامية فيه، وأرى أن أحداث أيلول (سبتمبر) الحالية لا تخلو من ثلاثة احتمالات:
* إما أن بوش أعطى الضوء الأخضر للإسرائيليين أن يضغطوا على الفلسطينيين، لأنه يعرف الجزء المؤلم في جسد العالم العربي، ذلك الذي كافأه حين خلصه من صدام حسين (في رأي بوش) بضربة حذاء.
* وإما أن الإسرائيليين استغلوا تدني شعبية العالم العربي لدى الرئيس الأمريكي، وأطلعوه على خطة الهجوم، فلم يبد اعتراضاً عليها.
* وإما أن الإسرائيليين أصابوا في حساباتهم أن الإدارة الأمريكية لن تتدخل في الأزمة، فلم يعرضوا عليها خطة الهجوم، ولم تعترض الإدارة الأمريكية عليها، نظراً لعدم رغبة هذه الإدارة في تقديم أي معونة لشعوب لا تكن لها أي احترام أو تقدير (في رأيها).
وأميل إلى الرأي الأخير، فالبيت الأبيض لم يطالب إسرائيل بالانسحاب من قطاع غزة، بل إنه دعم هجومها الجوي حين ألقى باللوم على حماس، التي ــ حسب قول المتحدث باسم البيت الأبيض ــ "أظهرت هويتها الحقيقية، وأنها مجرد منظمة إرهابية"، مشدداً على أن اهتمام الإدارة الأمريكية حالياً هو ضمان الأمن لسكان جنوبي إسرائيل.
مثلما دفع العالم العربي ثمن الهجوم على مركز التجارة العالمي، ها هو يدفع اليوم ثمن طيش آخر. قد يكون من المبالغة رؤية أحداث غزة كنتيجة مباشرة لحذاء منتظر الزيدي، ولكن تلك الضربة، والحملة الإعلامية التي تبعتها، والمظاهرات العربية الداعمة لها كان لها بالتأكيد تبعات سلبية لدى الإدارة الأمريكية، التي عاد العالم العربي الآن يطالبها بالتدخل لمصلحة الفلسطينيين.
صوت العقل ينادي دائماً بترك الحلول الحدية الشاملة الفاصلة، والأخذ بالتدرج، والحلول الوسطية خاصة في الجوانب الدبلوماسية، حيث لا يوجد انتصار كامل. لا يمكن أن تضرب إنساناً بالحذاء أمس، وتطلب مساعدته اليوم.