الاقتصاد على عتبة التغيير (2)

في يوم 6/3/2007 تفضلت جريدة "الاقتصادية" مشكورة بنشر مقال لي بعنوان "الاقتصاد على عتبة التغيير", وذكرت في ذلك الوقت أن الاقتصاد العالمي يمر بمنعطف خطير, وأن هناك مخاطر كبيرة في الاستثمار في السوق الأمريكية, خاصة القطاع المصرفي, وذلك بعدما تناهى إلى سمعي اتجاه بعض المستثمرين الخليجيين والصناديق السيادية للاستثمار فيها.
أما الآن فقد وقع ما كنا نخشاه, وخسر من استثمر في ذلك الوقت, وبدأ يدب الخوف والهلع في المستثمرين وبدأت تتأثر أسواق المال كلها. ومع وجود هذا الخوف والاضطراب فإنني أرى أننا في دول الخليج وفي السعودية خاصة يجب ألا نتأثر تأثرا مباشرا بالأزمة, وأنه توجد فرص استثمارية كبيرة في المنطقة قد لا تتكرر في وقت آخر.
فعلى عكس ما يعتقد بعض الناس, فإن أفضل وقت للاستثمار هو الآن إن تمت دراسة هذا الاستثمار بشكل جيد ووضعت له الاستراتيجيات المناسبة, ولا أريد أن يفهم من كلامي أن الآن هو الوقت الملائم للاستثمار في أي شيء, ولكن أعتقد أن هناك بعض الاستراتيجيات إذا تم تطبيقها يمكن أن تغير من القدرة التنافسية للمملكة على المدى البعيد, ويمكنني اختصارها في التالي:
أولا: الوقت الآن ملائم جدا لأي شركة لتقوم بشراء شركات عالمية بأسعار رخيصة جدا, تكون هذه الشركات مكملة للنشاط الحالي للشركة, كأن تشتري إحدى الشركات التي تقوم بتوريد المنتجات لها سواء كانت منتجات أولية أو منتجا نهائيا, كما يمكن للشركات السعودية شراء بعض الشركات العالمية التي تصدر لها أو تبيعها منتجاتها, وفي كلتا الحالتين ستستفيد الشركات زيادة في هامش الربح بسبب التكامل في SUPPLY CHAIN, كما أنها ستزيد من حصتها في الأسواق العالمية, وكذلك يمكن لها شراء شركات عالمية منافسة أو الاندماج معها, ما يسهم في نقل التقنية وتطوير القدرات الإدارية للشركات السعودية.
ثانيا: توجد الآن فرصة كبيرة للشركات الصناعية في المملكة للتوسع, فمهما خاف العالم من تباطؤ في النمو أو انكماش في الاقتصاد العالمي, إلا أن النمو في الطلب على المدى البعيد في تزايد بلا شك, وأن الطلب القادم هو طلب حقيقي وليس مبنيا على المضاربات, خاصة في منطقة الخليج والدول العربية وقارة إفريقيا, إضافة إلى الدول الناشئة (روسيا, الصين, الهند, والبرازيل), وأهم ما في الوضع الحالي هو أن الاستثمار الرأسمالي للتوسعات الصناعية سيكون بتكاليف أقل من الوضع الطبيعي, ما يعطي ميزة تنافسية من ناحية تكلفة التصنيع وسعر المنتج النهائي على المدى البعيد.
ثالثا: يعتبر الوقت الحالي ملائما جدا للاستثمار في المشاريع العقارية والإنشائية ومشاريع البنية التحتية, خاصة في المملكة, وذلك لتوقع استمرار انخفاض أسعار مواد البناء في السنوات المقبلة, ما يساعد على رفع معدل العائد على الاستثمار في المدى البعيد.
رابعا: بعد موجة تسريح العاملين التي تمر بها الشركات العالمية لتخفيض التكاليف, نعتقد أنه ستنخفض تكلفة اليد العاملة في العالم, وهذه فرصة كبيرة للاستفادة من الخبرات الكبيرة والموظفين الذين جربوا العمل في مؤسسات ذات بعد عالمي, وهذا سيكون بتكلفة أقل من الوضع الطبيعي.
ولم يبق إلا أن أحذر من الاستثمار في المصارف العالمية وإن وجدت فرصة في ذلك, لأن عمق الأزمة لم يتضح إلى الآن, وأن هناك كما من المعلومات لم يتم الكشف عنه بعد, كما أحب أن أبين أن الاستراتيجيات التي ذكرت لا تخلو من مخاطرة, ولكن هي فرصة لمن يريد أن يقود السوق العالمية ويتصدر في الميز التنافسية في قطاعها. وإنه لن تتم الصدارة ما لم توجد الجرأة في الاستثمار مع دقة التخطيط وإيجاد السيناريوهات البديلة, والرؤية الرائدة تكون هي المحرك, وأظن أنه من المفيد أن أورد خبرا مفاده أن أكبر مستثمر في العالم ورن بافيت استثمر أخيرا ثمانية مليارات دولار في "جولدمن ساكس" و"جنرال إلكتريك" والعالم في عمق الأزمة الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي