النفط والرقص على الرمال المتحركة
في بداية عام 2008 توقعت وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الطلب على النفط في العام المذكور بمقدار مليوني برميل يوميا، ثم بدأت تغير توقعاتها مع تحرك رمال الاقتصاد العالمية، ثم تسارع التغيير، وتحول إلى هز، ثم تسارعت حركة رمال الاقتصاد العالمي في أيلول (سبتمبر)، وتحول الهز إلى رقص، وانتهى الأمر أن توقع الوكالة لنمو الطلب العالمي تحول من زيادة في بداية العام إلى نقص في نهاية العام، كما هو موضح في الشكل البياني رقم (1) المرفق، الذي يبين أنه في كل تقرير شهري أصدرته الوكالة خلال عام 2008 غيرت توقاعاتها للطلب على النفط في عام 2008. ويبدو أن الوكالة ستغير هذا الرقم مرة أخرى لأن التدهور الاقتصادي في الدول الصناعية وانخفاضه في الصين قد يؤدي إلى تخفيض الطلب على النفط بمقدار 200 ألف برميل إضافة إلى تخفيض الوكالة، الأمر الذي يجعل توقعات وكالة الطاقة أقل من الواقع.
#2#
ولكن وكالة الطاقة لم تكن الراقص الوحيد على الرمال المتحركة، فـ "أوبك" غيرت توقعاتها بالطريقة نفسها. ففي تقريرها الشهري في شهر كانون الثاني (يناير) 2008، توقعت "أوبك" أن يرتفع الطلب على النفط في عام 2008 بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا. ثم بدأ مسلسل التخفيض منذ ذلك الوقت حيث توقعت "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير أن ينخفض الطلب على النفط في عام 2008 بنحو 200 ألف برميل يوميا عما كان عليه في عام 2007. أي أن الفرق في التوقعات بين بداية العام والآن هو 1.5 مليون برميل يوميا. وتبع وكالة الطاقة و"أوبك" كل بيوت المال والاستشارات العالمية.
توقعات نمو الطلب على النفط عام 2009
ليس هناك أدل على الوضع الحرج في أسواق النفط حاليا من توقعات الهيئات والمؤسسات المختلفة للطلب على النفط في عام 2009. فهناك من يتوقع نمو الطلب على النفط بمقدار 400 ألف برميل يوميا، وهناك من يتوقع هبوطه بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً. الفرق بين التوقعين كبير لدرجة أنه يقترب من إنتاج الإمارات أو الكويت. ويبين الشكل البياني بعض هذه التوقعات، حيث تبين الأعمدة الزرقاء التوقعات التي ترى زيادة في الطلب، بين توضح الأعمدة الحمراء التوقعات التي ترى هبوط الطلب.
#3#
توقعات أسعار النفط في عام 2009
بما أن أسعار النفط تعتمد على الطلب والعرض، فإن توقعات أسعار النفط ستعكس "رقصا" أعنف من توقعات الطلب. فالعرض يعتمد على أشياء كثيرة منها تصرفات "أوبك" ومدى التزام الأعضاء بحصصهم الإنتاجية، والعوامل السياسية (الوضع الأمني في دلتا النيجر في نيجريا وفي العراق، الوضع السياسي في فنزويلا، والعلاقات بين إيران والغرب) والطبيعية (مدى برودة الشتاء في أوروبا وأمريكا الشمالية والأعاصير في خليج المكسيك) والفنية (المشكلات التقنية في المصافي وأنابيب النفط) التي لا يمكن التنبؤ بها. والأهم من ذلك كله فإنه من غير المعروف الآن مدى أثر انخفاض أسعار النفط الحالي في الطاقة الإنتاجية، حيث سيتم إغلاق عدد كبير من آبار النفط غير المجدية اقتصاديا، خاصة في أمريكا الشمالية. ويبين الشكل البياني رقم (3) توقعات متوسط الأسعار في عام 2009، علما بأن كلمة "متوسط" هنا تعني أن الأسعار ستكون أقل من المتوسط في بداية السنة وسترتفع فوق هذا المتوسط في النصف الثاني من السنة. ويجدر بالذكر أن وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" لا تقومان بالتنبؤ بالأسعار، على الأقل بشكل علني.
#4#
خلاصة القول إن الأوضاع الحالية معقدة للغاية ويصعب من خلالها التنبؤ باتجاهات الطلب على النفط وأسعاره. كل ما نعرفه بالتأكيد أن استمرار أسعار النفط بالانخفاض سيؤدي إلى انخفاض العرض وزيادة الطلب، الأمر الذي يعني ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى. واتضح من التوقعات المتضاربة أن الجميع يرقصون على "رمال متحركة"، أما أنا فلم أتقن الرقص، وغرقت في الرمال المتحركة منذ زمن بعيد!