المرأة السعودية والإعلام

للمرأة السعودية تاريخ طويل وشيّق ومثير مع الإعلام، خاصةً الصحافة. وجاءت مساهمة المرأة، رغم محدوديتها، مع بواكير الإصدارات والمطبوعات، وقد وقف عدد من رواد الصحافة خلف ظهور المرأة ومشاركتها في الكتابة ومن ثمّ في التحرير والإعداد، وعلى رأس هؤلاء الرواد حسن قزاز وحمد الجاسر وأحمد السباعي وعبدالله شباط وآخرون.
ولأننا أمة غير مشغولة بتوثيق تاريخها، وما طرأ عليه من تحولات وتبدلات، فقد غابت أو كادت أن تغيب كثير من المعلومات التاريخية المهمة ذات الصلة بمسيرة المرأة السعودية مع الإعلام. وأصبح من العسير الإجابة على تساؤلات مهمة، مثل: مَنْ أول من نشرت وكتبت في الصحافة سواءً باسمها الحقيقي أم باسم مستعار؟! ومَنْ هي أول من أشرفت على صفحة المرأة في تاريخنا الصحافي؟ ومَنْ هي أول مديرة تحرير؟ ومن هنّ رائدات العمل الإعلامي، الصحافي على وجه الخصوص؟! وما الأثر الذي تركته مشاركة المرأة في الصحافة؟ وما مسيرتها؟ وكيف تطورت؟ وإلى أين وصلت المرأة السعودية مع إعلامها؟! وغير ذلك من أسئلة مهمة ظلت دونما إجابات حاسمة ودقيقة حتى صدر كتاب "عمل المرأة السعودية في وسائل الإعلام" للزميلة الصحافية الباحثة أمجاد محمود رضا، التي تكرمت عليّ بإهداء نسخة من كتابها الوثائقي، الذي سعدتُ به وفرحتُ بما ضمّه من معلوماتٍ بذلت المؤلفة جهداً كبيراً وشاقاً في البحث والتنقيب في أراشيف الصحافة السعودية لتجيب على كثير من التساؤلات. من ذلك عرفنا أن السيدة لطفية الخطيب، وهي ابنة الشيخ عبدالحميد الخطيب، هي أول من كتب باسمها الحقيقي في تاريخ الصحافة السعودية وذلك عام 1372هـ، (1952) كما أنها أول من أشرف على أول صفحة تُعنى بالمرأة، تلك الصفحة التي أصدرها الصحافي العريق حسن قزاز وأسماها "المرأة في بيتها" وذلك في عام 1379هـ، قُبيل الصفحة النسائية التي أطلقها الرائد عبدالله شباط في صحيفته "الخليج العربي" والتي عهد بها إلى السيدة سميحة أحمد، زوجة المرحوم أحمد طاشكندي. ومما يُحمد للمؤلفة الباحثة أنها حاولت في كتابها ردّ الاعتبار للسيدة لطفية الخطيب، التي غابت ومعها دورها الصحافي الرائد عن بعض الإصدارات التي حاولت أن توثق شيئا من مسيرة المرأة السعودية مع الإعلام، حيثُ نُسبت الريادة إلى غيرها، لكن الباحثة واعتماداً على وثائق برهنت أن السيدة الخطيب هي رائدة العمل الصحافي بلا منازع.
في هذا الصدد، كنتُ أتمنى لو أن الباحثة أشارت في عرضها التاريخي إلى مقالة مبكرة في تاريخ مجلة "اليمامة" نُشرت في تشرين الثاني 1954 الموافق صفر 1374هـ، وهي عبارة عن ترجمة قصة "الزوجة" للكاتب الإنجليزي واشنجبون أرتنج، وقد ترجمتها ونشرتها باسمها الصريح السيدة صفية عبدالسميع، وهي زوجة الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل، الذي تولى في فترة سابقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وحسب ظني فإن السيدة صفية هي أول من نشر باسمها الحقيقي في مجلة "اليمامة".
أطْلَعنا الكتابُ على شيء من فصول في سيرة السيدة ثريا قابل، التي هي الأخرى رائدة من رائدات العمل الصحافي، ودخلت في معركة صحافية مبكرة وذلك في عام 1959 حينما قرأتْ مقالةً استفزتها معنونةً بـ" ناقصات عقل ودين" فكتبت رداً عنيفاً، لتتوالى الردود ليكون هذا المقال هو الباب الذي ولجته السيدة قابل لتنخرط في عالم الصحافة. كما أفادنا الكتاب أن أول مديرة تحرير هي السيدة سارة القثامي، وهي أول من أشرف على أول قسم نسائي فُتح في تاريخ الصحف السعودية وذلك عام 1977م في صحيفة "عكاظ" التي هي أول صحيفة منحت حق التفرغ الكامل للصحافية السعودية. أما أول رئيسة تحرير فهي الدكتورة فاتنة شاكر، التي تبوأت هذا المنصب عام 1980 عندما عينت رئيسةً لتحرير مجلة "سيدتي".
لم تغفل المؤلفة وهي توثق مسيرة المرأة مع الإعلام أن تقف في محطة "الإذاعة" و "التلفاز" وتبرز الرائدات في هذين القطاعين المهمين، وكنتُ أتمنى على الزميلة لو توقفت عند الإذاعية هدى الرشيد وأبرزت دورها الإذاعي.
إن كتاب "عمل المرأة السعودية في وسائل الإعلام" كتاب وثائقي تاريخي حفظ البدايات الأولى لمساهمة المرأة السعودية في الإعلام وأعاد الاعتبار لسيدات كدن يخرجن من ذاكرة التاريخ، ولأنه كذلك فهو جدير بالقراءة والاقتناء. وكل ما أتمناه على المؤلفة أن تعيد النظر عند طباعته مرة أخرى في الطريقة التي تم بها إخراج الكتاب والوثائق والصور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي