Author

القطاع الحكومي الموازي .. مزيد من البيروقراطية

|
المشكلات الاقتصادية والإدارية التي تواجهها الدول بمختلف توجهاتها لا يمكن حلها فقط ببناء مزيد من البيروقراطيات الرسمية. بل إن بناء هذه البيروقراطيات قد يزيد من تعميق هذه المشكلات وتعقيدها مع إضافة مزيد من الأعباء المالية على الدول. البيروقراطي التقليدي عادة ما يحاول حل المشكلات التي تواجهه بإضافة مزيد من التعقيدات البيروقراطية؛ وذلك بهدف إزالة المسؤولية عن كاهله، لكن ذلك لا يضيف أي حل، بل كما ذكرت يزيد من أعباء المشكلة وتداعياتها. الطريقة الصحيحة هي مواجهة المشكلة الحقيقية والتعامل معها من الجذور، وليس من خلال المعالجات الظاهرية لها. بالنسبة للمملكة هناك ظاهرة تستدعي التفكير فيها ملياً ومحاولة دراسة تداعياتها سواءً الإدارية أو المالية، وهي تلك المتمثلة في تأسيس مزيد من الأجهزة والهيئات الحكومية. هذه الهيئات في الغالب تقوم بأعمال كانت تحت مسؤولية وزارات محددة، لكن بسبب التوسع في هذه الأعمال والرغبة في الخروج عن الدائرة الضيقة، سواءً الإدارية أو المالية التي تحصر هذه الوزارات، فقد أصبح هناك حافز دائم ومستمر لخلق مزيد من البيروقراطيات والأجهزة الحكومية الجديدة. القضية الآن أننا نواجه بجهاز حكومي يتكون من الوزارات الرئيسة، وجهاز مواز يتمثل في هيئات تنظيمية، أو رقابية، وبأنظمة مختلفة سواء من حيث المزايا أو المرونة المالية التي يتمتع بها المسؤولون في هذه الجهات. وقد كان من الأولى قبل التفكير في إنشاء بعض هذه الأجهزة أو بعض الهيئات الجديدة، التركيز على حل المشكلات التي تعانيها الوزارات في الاضطلاع بهذه المسؤوليات، سواءً تلك المتعلقة بالجوانب المالية أو المتعلقة بالجوانب الإدارية بدلاً من إنشاء جهاز حكومي مواز. كان من المفروض على كل جهة ووزارة إعادة ترتيب أولوياتها، والعمل على توظيف مواردها البشرية بشكل أفضل، بدلاً من ترك هذه الموارد معطلة واقتراح إنشاء أجهزة حكومية جديدة. الحلول لكثير من المشكلات الاقتصادية والإدارية التي نواجهها لن يتم فقط بإنشاء مزيد من الأجهزة، كما أشرت، لكن يجب أيضاً أن يكون الإصلاح الإداري جزءا أساسيا من منظومة الحلول. الإصلاح الإداري يتطلب النظر في تنافسية القطاع الحكومي من حيث الإنتاجية والكفاءة، ويتطلب الخروج من المنظور الضيق الشديد المركزية في إدارة الشؤون الإدارية للأجهزة الحكومية، خصوصاً المتعلقة بإدارة الموارد البشرية. النظر إلى هذه القضايا بمنظار تقليدي بحت لن يسهم في حل هذه المشكلات التي نواجهها يومياً في إدارة كثير من الخدمات التي تقدمها الدولة. مع انخفاض إنتاجية وكفاءة بعض القطاعات الحكومية، ستستمر المعاناة مع الخدمات حتى لو تم بناء مستشفى في كل حي، ومدرسة في كل شارع. المشكلة التي يواجهها كل مسؤول في كل جهة حكومية ـــ خصوصاً الوزارات ـــ هي انعدام القدرة تقريباً على اجتذاب الكفاءات المتميزة للاضطلاع بمهام رئيسة ومهمة بالنسبة للدولة. طريقة التوظيف المركزي عن طريق وزارة الخدمة المدنية ليست طريقة مثالية للتعامل مع متطلبات المرحلة الحالية، ولا تساعد على خلق أجهزة إدارية أكثر ديناميكية. الوقت الحالي يتطلب خبرات معينة في مجالات دقيقة، والمشكلة أن هذه الوزارات والجهات الحكومية التي تعتمد أنظمة الخدمة المدنية لم تعد قادرة على اجتذاب الخبرات المتميزة في هذه المجالات. النتيجة، اللجوء إلى التعاقد مع خبرات أجنبية، أو الالتفاف على الأنظمة بالتعاقد مع مكاتب استشارية واستخدامها كآلية لتوظيف أصحاب الخبرات من السعوديين. هذه الحلول ليست حلولا مجدية على المدى الطويل، ولا يمكن الاستغناء بها عن عملية إصلاح جذري للقطاع الحكومي بما يكفل زيادة تنافسيته في اجتذاب الكفاءات، وزيادة إنتاجيته وكفاءته بما ينعكس على الخدمات المقدمة للمواطنين. وزارة الخدمة المدنية عليها مسؤولية كبيرة نحو هذا القضية، وعليها أن تأخذ زمام المبادرة في ذلك. لا يمكن تبرير هذه المركزية في عملية التوظيف في الوزارات، في ظل الحرية الممنوحة لجهات حكومية أخرى كالهيئات الجديدة، التي تعطيها مرونة في التعيين والترقية؛ ما مكّنها من اجتذاب كفاءات متميزة. يجب أن يكون هناك مجال للمرونة في إطار الموازنات المعتمدة في كل جهاز حكومي بما يكفل له المفاضلة والاختيار ومنح بعض المميزات لاجتذاب بعض الكفاءات. كما يجب أن تكون هناك تنافسية بين الجهات الحكومية على اجتذاب الكفاءات، في إطار شفافية ووضوح وفي ظل رقابة تسهم في تعزيز كفاءة القطاع الحكومي ككل.
إنشرها