Author

الإصلاح الإداري .. دمج منظومة التعليم في «وزارة التعليم»

|

رئيس المعهد الدولي للطاقة والبئية والتوقعات الاستراتيجية

[email protected]

 

كتبت في مقال سابق عما قدم المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالله وخلال وقت قصير نسبيا في حياة الأمم ما لم يقدمه أي زعيم لأمته، فلقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة سنوية تقارب 15 في المائة تقريبا، وتم تسديد الدين العام تقريبا وتجاوز الإنفاق الحكومي سبعة آلاف مليار ريال (أي تريليوني دولار)، وبلغ الاحتياطي العام للدولة أكثر من 750 مليار دولار، وسجل التبادل التجاري مع دول العالم في عهده نحو 13.14 تريليون ريال، وبفائض ميزان تجاري خلال الفترة بلغ 5.69 تريليون ريال أو ما يعادل 44 في المائة من الناتج. كما أنه وفي أولى سنوات حكم الملك عبدالله، أصبحت المملكة العضو رقم 149 في المنظمة. وتبوأت كبار اقتصادات العالم وذلك بدخولها نادي العشرين. وبمجيء الملك سلمان بن عبدالعزيز بخبرته الثرية في الإدارة، تم اتخاذ مبادرات جذرية وقرارات فورية لتطوير الأداء السياسي وإصلاح الجهاز الإداري للدولة وفق خطة ومنهج يتلاءمان مع ما وصلت إليه البلاد من تقدم وذلك بإصدار أوامر ملكية، تمخض عنها بشكل في غاية الأهمية إعادة بناء وتشكيل الهيكل التنظيمي الإداري للدولة، وتستهدف تطوير أداء الحكومة وتحديثها، وذلك بإلغاء 12 جهازا من أجهزة الدولة العليا، وإلغاء اللجنة الفرعية للجنة العامة لمجلس الوزراء، وتشكيل مجلسين يرتبطان تنظيميا بمجلس الوزراء ويسمى رئيساهما وأعضاؤهما بأمر ملكي من أعضاء مجلس الوزراء، إضافة إلى رئيس الاستخبارات العامة، ويكونان جهازين رئيسين ويحلان محل الأجهزة الملغاة، ويشرفان على تنسيق العمل بين جميع الأجهزة الحكومية ومن خلال تنفيذ العمل بالجودة الشاملة والسلاسة، المطلوبة. وبشكل عام فإن تحليل تلك القرارات يطول، لاسيما وإن عديدا من تلك القرارات هي بدايات لإجراءات الإصلاح المؤسسي التي سيكون لها ما بعدها من تغييرات جذرية متتالية في المنظومة الإدارية، فإصلاح الإدارة الحكومية يعد أحد أهم عناصر تطوير القطاعات جميعا من أمن وتعليم وصحة وبيئة اقتصادية واستثمارية...إلخ، ولعل هذه القرارات تعطينا لمحة عن المستقبل الإداري واتجاهاته، وعن التحولات القادمة الأمنية والاقتصادية والتعليمية وطبيعتها التي تؤمن بالإنسان وبقيمته، وبأن رأسمال مستقبلنا الحقيقي يكمن في عقل هذا الإنسان وسلامته ونموه وتعليمه وإبداعاته. وفي هذا المقال سنتطرق إلى ملامح دمج منظومة التعليم، وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة "وزارة التعليم" لما له من دور محوري في المجتمع وفي نهوض الدولة ومجابهتها للتحديات على تنوعها. والتعليم يمثل أحد التحديات الاستراتيجية لقدرة المملكة على النهوض ولمجابهتها للتحديات على تنوعها، فهو الأساس الذي تقوم عليه الشعوب جميعا ولا تنمية أو تطور دون تعليم. ودمج منظومة التعليم، أي التعليم العام للبنين والبنات والتعليم العالي في وزارة التعليم وتحت قيادة واحدة سيقضي على الازدواجية وتوحيد الجهود لخدمة المفهوم التعليمي بشموليته بدءا بالعناصر الأساسية للتعليم إلى مراحل التعليم العالي. فمخرجات التعليم في زمن الوزارتين كانت نوعا ما معقدة وتخضع لعراقيل بيروقراطية. فسر تجدد الحضارات هو في تغيرها وتطورها المستمر. ويعد قطاع التعليم القطاع الأكبر في المملكة من حيث التمويل ومن حيث المنتسبين من موظفين إداريين وعاملين ومدرسين وطلبة. فمن ناحية التمويل فلقد خصصت الدولة في ميزانيتها الأخيرة نحو ربع إنفاقها على التعليم. وتبين الإحصاءات الرسمية أن موظفي قطاع التعليم يبلغون نحو سبعمائة ألف موظف وموظفة من معلمين ومعلمات وإداريين، وأن عدد الطلبة يتجاوز ستة ملايين ونصف المليون طالب وطالبة، أما موظفو الجامعات من أعضاء هيئة التدريس وإداريين وفنيين يزيد عددهم على 143 ألف موظف وموظفة. وعدد الطلبة في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا باستثناء الدارسين في الخارج تجاوز مليونا ومائتي طالب وطالبة. وعملية دمج وزارتين للتعليم الأساسي والأخرى للتعليم العالي، وإلغاء هيئات عليا وإعادة تشكيلها في المملكة هي عملية استراتيجية مستقبلية لتحديث شامل لبنية التعليم وإخراجه من تقليديته، إلى التقنيات الجديدة وسيكون لها ما بعدها من تغييرات جذرية متتالية في المنظومة التعليمية، ولعل هذا الدمج سيقلل من الفجوة الكبيرة وسيكون إصلاح التعليم وتطويره ممكنا وأسهل بوجوده في قطاع واحد، يسهم في إخراج التعليم من تقليديته وتباطؤه إلى تحديث شامل وإغلاق الفجوة بين التعليم العام والعالي وتكامل الخدمات التي يتم تقديمها للطلاب والطالبات، وتوحيد الخطط والأنظمة في وزارة واحدة ستعكس صورة إيجابية تؤدي إلى تحقيق أهداف التعليم العام على مراحله المختلفة مع مزيد من تكامل الخدمات التي يتم تقديمها للطلاب والطالبات ومن شأنه أيضا إحداث نقلة نوعية في منظومة التعليم فهو بداية لكسر الحلقة وتغير الاتجاه إلى اتجاهات مختلفة وجديدة من شأنها أن تسهم في تحسين مخرجات التعليم، وتتماشى مع تغير موازين القوى الاقتصادية وتغير حجم ونوعية الفرص المتاحة. إن أفضل طريقة لإدارة التعليم الأساسي هو تأهيل الموارد البشرية من المعلمين في المدارس والموظفين الإداريين في إدارات التربية والتعليم، والتركيز على المعلم في الاختيار، والتدريب، والتأهيل فلا شك أن المعلم هو حجر الزاوية في التعليم وهو القوة الحقيقية لنجاح أي برنامج لتطوير التعليم، لذا فتأهيله وتوفير فرص تطوير مهاراته والتفاعل الإيجابي لمهنة التعليم من أهم الأوليات لنجاح التعليم. كما أنه من الواجب مراجعة التعليم الأهلي وتحسين مستواه لوضعه معايير صارمة وأن تكون متطلبات الكفايات الخاصة بالمعلمين الأهليين عالية، ولا يتم إجازتهم أو الترخيص لهم بالتدريس إلا بعد التأكد من تدريبهم بمستوى كافٍ لممارسة التعليم. أما إدارة التعليم العالي فإن الطريقة المثلي لإدارتها فهو منحها الاستقلالية وإنشاء مجلس أمناء لكل جامعة، يكون المجلس هو السلطة المهيمنة على شؤون الجامعة حتى تعيد هيكلة كلياتها وأقسامها بالطريقة التي تحقق بها أهدافها والارتقاء بالجودة في التعليم والبحث العلمي وتبقي على رسالتها بالمرونة اللازمة للإبداع والتميز وتوحيد الجهود واستثمار الكفاءات للتنافس العلمي بين جامعاتنا وتبادل الخبرات بين منسوبي الوزارة نفسها لدعم مسيرة مراحل التعليم المختلفة. إن عملية الدمج تلك ستؤدي إلى إصلاحات هيكلية في منظومة التعليم، فالتحديات والتوجهات الجديدة أمام التعليم العام والعالي كثيرة جدا، ولكن التكامل بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي سيحقق تذليل تلك التحديات بتنسيق ذاتي وداخل وزارة واحدة أي وزارة التعليم وبمخرجات ذات جدوى اقتصادية تلبي احتياجات الخدمة المدنية والقطاع الخاص والمجتمع بشكل عام.
إنشرها