أجمل خطأ

كان أحد الصالحين واسمه ثابت بن إبراهيم يسير في طريق مظلم؛ فإذا بتفاحة سقطت أمامه على حين غرة، فسارع بالتهامها. لكن ما لبث أن توقف عن أكلها بعد أن أدرك أنها ليست من حقه. أجهز عليه تأنيب الضمير؛ كونه أكل شيئا ليس له ودون أن يستأذن صاحبه. هرع إلى البستاني وأبلغه بخطيئته لعله يصفح عنه؛ فسأله أن يطلب السماح من سيده صاحب البستان وليس منه. فاستفسر ثابت عن منزله. فأجابه أن بينك وبين منزله مسيرة يوم وليلة. لم يتردد انطلق نحو منزله رغم المسافة الطويلة التي بينهما، مرددا قول الرسول الكريم -عليه أفضل الصلاة والتسليم-: «كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به».
وصل ثابت إلى باب المنزل فطرق بابه، ففتح له الرجل الباب وسلم عليه، وباغته بقوله وهو يمسك بيده تفاحة نصف مأكولة: سامحني فيما أكلت من التفاحة، وهذا نصفها، فنظر إليه صاحب البستان، وقال: لا أسامحك إلا بشرط واحد، فقال وما هو؟ فقال: أن تتزوج ابنتي، ففرح ولكنه ذكر إليه أوصافها. فهي عمياء وبكماء وصماء ومقعدة، فتبدلت في وجهه ملامح السرور إلى ملامح الصدمة. ورغم ذلك قال ثابت: "قبلت خطبتها. سأتاجر فيها مع ربي".
ثم أتى أبوها بشاهدين فشهدا على العقد، وإذا بصاحب البستان يدخل ابنته الحجرة على ثابت الذي قرأ السلام لترد عليه الملائكة لكن فوجئ بزوجته ترد، بل تصافحه بيدها. فأدرك أنها ليست بكماء إذ ردت عليه السلام، وليست صماء كونها سمعت السلام، وليست مقعدة لأنها دخلت عليه بقدميها.
اكتشف ثابت بعد سنوات من زواجهما أن أباها لم يخدعه عندما ذكر أوصافها. فقد كانت عمياء عن الحرام، وصماء عن كل ما لا يرضي الله، وبكماء لأن لسانها لا يتحرك إلا بذكر الله.
وشعر ثابت أن الخطأ الذي ارتكبه عندما أكل تفاحة ليست له أنار طريقه وأهداه شريكة حياة أسعدته وأهدته ابنا عظيما ما زال اسمه يتردد بامتنان حتى وقتنا الراهن ألا وهو، أبو حنيفة النعمان بن ثابت. التابعي الجليل، وأول الأئمة الأربعة، وصاحب المذهب الحنفي.
علينا أن ندرك أن بعض الأخطاء بداية لحياة أجمل. وليست نهاية كما يظن الكثير. تصالحوا مع أخطائكم فأعظم الاختراعات والاكتشافات والنجاحات بدأت بخطأ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي