المستهلك .. من يحميه؟
[email protected]
طالبت قبل عدة سنوات بتأسيس جمعية أهلية لحماية المستهلك وكررت هذا قبل بضعة أشهر، وأتذكر أن مجلس الشورى وافق على تأسيس جمعية لرعاية المستهلك بعد أن استبدل كلمة حماية برعاية قبل نحو ثلاث سنوات لكن هذا القرار لم يفعّل حتى صدر قبل أسابيع قرار بتأسيس تلك الجمعية من مجلس الوزراء لكنها ربما تحتاج إلى عدة أشهر كي تتمكن من مباشرة مهام عملها.
لقد أدى ارتفاع الأسعار هذه الأيام إلى شعور عميق من قبل شرائح المجتمع كافة بأهمية وجود جمعية أهلية لحماية المستهلك تدافع عن حقوقه كاملة بما في ذلك الارتفاع غير المبرر في الأسعار كما يحدث هذه الأيام.
لكن المهم من وجهة نظري أن الأجهزة المختصة بحماية المستهلك وعددها سبعة أجهزة ربما اقتنعت الآن بأن يقوم المستهلك نفسه أو من ينوب عنه بواجب الحماية بعد الهجمة المتواصلة عليها من قبل كثير من الكتاب والمتابعين ورجال الإعلام وغيرهم.
وفي رأيي أن حماية المستهلك لا تقوم على متابعة أعمال روتينية مثل الغلاء فقط بل تتجاوزه إلى المقاضاة وطلب التعويضات والتشهير في حال صدور الأحكام والتوعية، ومراقبة وسائل الإعلام لضبط أية دعايات مضللة تنطوي على غش أو تدليس.
ينبغي ألا تقوم الجهات الحكومية التي قامت لأهداف أساسية ليس من ضمنها حماية المستهلك بحمايته وتحمل هذا العمل وحدها، ففي هذا تضارب فاضح بين مهامها وما يريده المجتمع منها، مثل وزارة التجارة التي وجدت لتنظيم العمل التجاري وتشجيعه وتقديم العون والمساندة للتجار، في حين يعول عليها مراقبة الأسواق ومعاقبة التجار، وهذا كما ذكرت فيه تناقض كبير، حتى لو أسست وكالة الوزارة الجديدة التي خصصت لحماية المستهلك فإنها لن تستطيع كجهاز حكومي القيام بمهامها على الوجه الأكمل الذي يطمح إليه كثير من المتابعين والمستهلكين.
لا يوجد اليوم من يحمى المستهلك في جميع الأجهزة الحكومية لأن هذا العمل يأتي في ذيل أهدافها الرئيسة التي أسست لأجلها، ومن هنا فإن التعويل على جمعية أهلية لحماية المستهلك أمر مقبول لكن ذلك مرهون بالإمكانات التي ستوفر لها من قبل الدولة وأهمها الإمكانات المالية.
إن جمعية أهلية لحماية المستهلك تنتشر في المناطق والمحافظات الكبيرة تتمتع باستقلال مالي وإداري يمكن أن تلعب دورا مهما في تنظيف الأسواق من كثير من الممارسات التي تنطوي على غش أو احتيال أو استغلال، لكن ذلك يتطلب جهودا كبيرة ومتواصلة، وهذا لن يتحقق في يوم وليلة بل يحتاج إلى الكثير من العمل المتواصل حتى تكتمل بنية الجمعية الإدارية والتنظيمية وبعدها يمكن التعويل عليها.
من المهم للجمعية الوليدة أن يكون لها حق المقاضاة والتشهير وطلب التعويضات ليس من التجار والصناعيين والمستوردين فقط بل من الأجهزة الحكومية كذلك لأن مثل هذا الحق سيسهم في أن تبذل جميع الأجهزة الحكومية جهودا جادة للقيام بالأعمال الملقاة على عاتقها على الوجه الأكمل كما هو الحال في مختبرات الجودة النوعية التابعة لوزارة التجارة المنتشرة على المنافذ الحدودية التي يشوب عملها الكثير من علامات الاستفهام طيلة الفترة الماضية، وبعد هذه الضجة اكتشفت غتر مخالفة ومعاجين أسنان وألعاب أطفال وغيرها، وربما تكتشف في الأسابيع المقبلة الكثير من القضايا التي كانت تمر مرور الكرام وتتسبب في أضرار صحية جسيمة للمستهلك دون حق المقاضاة وطلب التعويضات من جميع الجهات. لن تستطيع عشر جمعيات أهلية لحماية المستهلك القيام بعملها وتحقيق طموحات المستهلكين وستكون عبئا يحسب عليهم دون فائدة تذكر.
أقول هذا الكلام لأنني أعتقد أنه لا حصانة لأي جهة كانت تتلاعب بصحة المستهلك وقدراته المالية أو تضلله بدعايات كاذبة، فأي جهة تقوم بذلك ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها كاملة بما في ذلك تعويض المتضررين.
لم أسمع طوال السنوات الماضية أن شركة أو جهة ما عوضت المستهلكين ماليا عن الأضرار التي لحقت بهم، وهذا أمر غير مقبول ولا ينبغي أن يستمر في وجود جمعية أهلية تدافع عنهم.