هل المبتعثون في خطر؟
يتواصل الحديث ويستمر عن قضية وفاة المبتعث عبدالله القاضي، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي عن حيثيات هذه القضية التي تمت خارج حدود الوطن، كما تناول مغردون هاشتاقات متنوعة منها ما تنقل أخبار التحقيقات ومنها ما تدعو للدعاء ومنها ما ينبه للمخاطر التي يواجهها المبتعثون، كهاشتاق #أخطار - تهدد - المبتعثين، ورافق النصائح المقدمة في هذا الهاشتاق شحن نفسي ومعنوي، وحيث إنني مبتعث في أمريكا وما زلت فيها مما يزيد على ست سنوات، راودني التساؤل التالي: هل نحن المبتعثين فعلا في خطر؟ وهل يواجه المبتعثون عنصرية؟ أو هم مستهدفون؟ وقبل الإجابة عن التساؤل أحب أن أنوه بأني عشت وزوجتي مع ثلاثة من أطفالي في خلال السنوات الست الماضية في ثلاث مدن حول الولايات المتحدة الأمريكية: ستيت كولج في بنسلفانيا، سان دييجو في كاليفورنيا، وبالتيمور في ميرلاند، وتختلف هذه المدن في مستوى الأمن، فستيت كولج مدينة جامعية صغيرة آمنة، سان دييجو مدينة ساحلية متوسطة الأمن، وبالتيمور مدينة صناعية وتعتبر واحدة من أخطر عشر مدن في أمريكا.
يتجاوز عدد المبتعثين مع عائلاتهم في أمريكا فقط الـ 100 ألف مبتعث/ة ومرافق/ة، يتوزعون في ولايات أمريكا المختلفة وفي المستويات الدراسية المختلفة من بكالوريوس وماجستير ودكتوراه. وقد تعرض بعض المبتعثين منذ بدء برنامج ابتعاث خادم الحرمين عام 2006 لحوادث مختلفة مثل حوادث مرورية، ومشكلات قانونية، وأحيانا جرائم قتل كالذي حصل للقاضي. لكن هل تعلم نسبة هذه الحوادث لعدد المبتعثين في أمريكا؟ لا تزيد عدد هذه المشكلات في مجملها في أمريكا على 30 حادثة وتمثل الحوادث المرورية أغلب هذه المشكلات، أي بنسبة لا تتجاوز 0.0003 في المائة منذ بدء برنامج الابتعاث. أما إذا تحدثنا عن جرائم القتل فنسبتها من عدد المبتعثين لا تتعدى 0.0001 في المائة. بالطبع لا أتحدث هنا عن التعثرات الدراسية أو مشكلات الأوراق الثبوتية والهجرة. - وبالطبع فإن كل جريمة وكانت واحدة فهي مؤلمة لكن أحببت أن ألفت الانتباه للسياق ، لنعلم حجم الخطر على المبتعثين السعوديين في أمريكا مثلا، نحتاج إلى أن نقارن حجم الاعتداءات عليهم بحجم الاعتداءات على المبتعثين الصينيين أو الهنود حيث سنجد أن النسب متقاربة. بمعنى أن نسبة الخطر الذي يواجهه المبتعث هو في مستوياته العادية، ويشبه خطر ركوب الطائرة أو قيادة السيارة.
بمناسبة الحديث عن قيادة السيارة، هل تعلم أن نسبة وقوعك في حادث ووفاتك وأنت تقود سيارتك في السعودية هي أعلى من معدل تعرضك لمشكلة طيلة فترة ابتعاثك. بحسب تقرير لصحيفة "الاقتصادية" فإن معدل وفيات الحوادث المرورية في السعودية 21 حالة وفاة يومياً، وأكثر من 105 إصابات ما بين بليغة ومتوسطة يومياً. أعتقد أننا إذا قارنا بين مستوى الأمن عند الابتعاث بقيادة السيارة في السعودية فكفة الأمن سترجح بالتأكيد للابتعاث. لذلك أعتقد أنه حان الوقت لأن يطلق المغردون والمغردات هاشتاق #أخطار – تهدد – سائقي - السيارات.
من السهولة اتهام المبتعثين أو حتى الملحقيات الثقافية بالتقصير في التوعية والتثقيف، لأنه كما قال الإمام الشافعي "..عين السخط تبدي المساويا"، لكن الحقيقة أن هناك جهدا كبيرا يقوم به المتطوعون والمتطوعات من المبتعثين المخضرمين لشرح العادات والتقاليد الأمريكية وتبين الأمور القانونية والتوصيات المفيدة في السكن وأماكن التسوق والبيع والشراء، وأبحث عن "منتديات مبتعث" أو "شبكة سعوديون" في أمريكا أو مدونات بعض المبتعثين وقنواتهم اليوتيوبية، غير النوادي السعودية الجامعية لتدرك حجم التعاون والتواصي بين المبتعثين. الملحقية الثقافية - وهنا أقصد في أمريكا - دورها واضح خصوصا في التوعية من خلال إيميلات توعوية ورعاية ملتقيات طلابية ونواد جامعية وغيرها. وللإجابة عن التساؤل: هل المبتعثون في مشكلة عنصرية؟ أقول إنه أحيانا، لكن ذلك لا يتجاوز مستوى العنصرية الذي يتعرض له رائد الأعمال السعودي من العمالة غير السعودية في تشغيل وإدارة فنادق مكة - مثلا - ولا عندما يرغب السعودي في فتح محال بيع تجزئة في الرياض، ولا يتجاوز أيضا مستوى العنصرية الذي يتعرض له الهندي أو البنغالي من بعض السعوديين.
الابتعاث كان وما زال من أفضل قرارات الاستثمارات السعودية على مدى السنوات العشر الأخيرة، ومستوى الأخطاء والمخاطر لا تتعدى المستويات الطبيعية، بل هي في تحسن مع مرور الزمن ومردودها ستنعم به الأجيال السعودية القادمة.