معاهدة البلاستيك العالمية .. بين الانقسام والفرص الضائعة
في جنيف، اجتمع ممثلو 184 دولة لإبرام ما كان يفترض أن يكون أهم اتفاق بيئي منذ اتفاق باريس للمناخ. لكن مع بقاء أيام قليلة على الموعد النهائي، يتكدس النص التفاوضي بأكثر من 1500 قوس خلاف، فيما يزداد التباعد بين المواقف.
أكثر من 100 دولة، بينها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ودول الجزر الصغيرة، تطالب بفرض قيود ملزمة على إنتاج البلاستيك، معتبرة أن الأزمة تبدأ من المصدر. في المقابل، ترفض مجموعة من كبار المنتجين، مثل روسيا والولايات المتحدة، هذه القيود، مفضلة التركيز على تحسين إعادة التدوير وإدارة النفايات وتشجيع الابتكار، وترى أن الحل يكمن فيما يحدث بعد الاستهلاك لا قبله.
ومع استمرار حالة الجمود، بدأت تبرز في النقاشات الجانبية وبعض أوراق التحليل الصادرة عن منظمات المجتمع المدني وعدد من المفاوضين فكرة النهج المرحلي، الذي يقوم على تخفيض الإنتاج تدريجياً وربط الأهداف بتحسينات قابلة للقياس في إدارة النفايات وإعادة التدوير. ورغم حضور هذه الفكرة في الحوارات غير الرسمية، فإنها لم تُطرح حتى الآن كمقترح رسمي على طاولة المفاوضات، كما تختلف الأطراف في رؤيتها لها؛ إذ تميل الدول المنتجة إلى صيغة طوعية قابلة للمراجعة، في حين تصر الدول ذات الطموح العالي على أن تكون الأهداف ملزمة ومدعومة بآليات متابعة ومساءلة واضحة. ورغم هذا التباين، يمكن النظر إلى تجارب اتفاقيات بيئية سابقة لفهم كيف يمكن تحويل هذه الفكرة إلى أرضية توافقية.
تجارب القانون البيئي الدولي تقدم مؤشرات على مسارات ممكنة. اتفاقية بازل وسّعت التزاماتها تدريجياً لتشمل النفايات البلاستيكية، واتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق حققت توافقاً رغم التكلفة الاقتصادية عبر جداول زمنية مرنة ودعم فني ومالي للدول النامية. هذه النماذج لا توفر وصفة جاهزة، لكنها تبرهن أن الجمع بين الإلزام القانوني والدعم العملي يمكن أن يبني توافقاً حتى في أكثر الملفات تعقيداً.
بالنسبة إلى معاهدة البلاستيك، يمكن تبني إطار هجين يوازن بين الطموح والواقعية: أهداف إنتاج مرحلية قائمة على الأداء، تمويل مشترك من الدول الغنية والقطاع الخاص لبناء البنية التحتية لإدارة النفايات في الدول النامية، التخلص المرحلي من المواد الكيميائية الأكثر خطورة وفق جدول زمني، وحوافز للابتكار لتطوير بدائل قابلة للتحلل ونماذج إنتاج دائرية مغلقة.
مثل هذا النهج يمنح دعاة البيئة أهدافاً ملزمة وقابلة للتنفيذ، ويوفر للدول المنتجة مساراً واقعياً للانتقال دون صدمات اقتصادية، كما يبعث برسالة أن النظام متعدد الأطراف ما زال قادراً على إنتاج حلول متوازنة وقابلة للتطبيق. أما الفشل أو الاكتفاء باتفاق طوعي ضعيف فسيؤدي إلى تفتت الجهود إلى اتفاقات أصغر خارج إطار الأمم المتحدة، ما يضعف الأثر الجماعي.
إن فشل هذه المعاهدة لن يعني استمرار التلوث فقط، بل ضياع فرص اقتصادية في الابتكار الدائري وفقدان الثقة في قدرة النظام الدولي على حل الأزمات البيئية الكبرى.
نجاح هذه المعاهدة لن يُقاس بعدد الأقواس التي تُحذف من النص، بل بقدرتها على تغيير المسار الاقتصادي والبيئي معاً، وتحويل الدول والشركات من مستهلكين مفرطين للبلاستيك إلى رواد في الاقتصاد الدائري. الفرصة لردم الفجوة ما زالت قائمة، لكن نافذتها تضيق سريعاً، وعلى القادة أن يختاروا الآن: معاهدة متوازنة وقابلة للتنفيذ، أو فرصة أخرى تضيع من سجل الحوكمة العالمية.
مستشارة في الشؤون الدولية والإستراتيجيات العالمية