حول ما جرى في المغرب والجزائر من تفجيرات إرهابية

[email protected]

فوجئ العالم كله بالهجمات الانتحارية الضخمة التي وقعت في العاصمة الجزائرية قبل يومين وأصابت إحداها مقر رئيس الوزراء، وهي المفاجأة التي لم تكن لتقع دون ما جرى في المغرب قبلها بيومين من تفجير عدة أشخاص أنفسهم بأحزمة ناسفة أثناء مطاردة الشرطة لهم. وفور ذلك حفلت مختلف وسائل الإعلام العالمية والعربية بموضوعات وعناوين كبيرة تتحدث عن عودة الإرهاب إلى منطقة المغرب العربي وخاصة الجزائر بصورة واسعة. كما ربطت كثير من التحليلات والتعليقات بين ما جرى في المغرب وما وقع في الجزائر باعتبارهما وجهين لعملة واحدة هي تنظيم القاعدة الذي بات يحرك – حسب ذلك التصور – الهجمات في البلدين وفي مختلف بلدان المنطقة الأخرى وفق خطة مركزية وقيادة موحدة.
والحقيقة أن ما شهده المغرب العربي تلك الأيام من تصاعد للعمليات الإرهابية والعنيفة يمثل ولادة لموجة جديدة من الإرهاب والجماعات القائمة وراءه تختلف نوعياً عن الموجة السابقة التي أصابته وبالتحديد الجزائر في خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي بالرغم من بعض أوجه التشابه بين الموجتين. ففي السابق لم يكن هناك من بلدان تلك المنطقة ما أصابه العنف والإرهاب سوى الجزائر التي فقدت أكثر من 120 ألف ضحية من أبنائها في صراع دموي شاركت فيه مختلف أطراف الساحة الجزائرية الإسلامية والحكومية والأمنية وغيرها. وفي هذا الصراع كانت الجماعات والمجموعات الإسلامية المتطرفة التي تتبنى العنف توجه أنظارها وعنفها إلى الداخل الجزائري وتتأثر أكثر بمؤثراته وعوامله أكثر من تأثرها بعوامل إقليمية ودولية. أما المغرب فلم يعرف خلال تاريخه منذ الاستقلال أحداث عنف وإرهاب منسوبة لإسلاميين سوى واقعة اغتيال واحدة، ولم يشهد ظهور جماعات أو تنظيمات ذات طابع جهادي عنيف حتى عام 2003. وفي هذا العام وبالتحديد في 16 أيار (مايو) منه وبعد نحو شهر من سقوط بغداد شهدت الدار البيضاء للمرة الأولى في تاريخ المغرب المعاصر خمس هجمات انتحارية متزامنة على أهداف مختلفة نفذها 12 انتحارياً مغربياً مما أوقع عشرات القتلى ومئات الجرحى.
ومنذ تلك الفترة، أي سقوط بغداد، بدأ تشكل الموجة الجديدة من العنف والإرهاب في منطقة المغرب العربي عموماً وفي الجزائر والمغرب خصوصاً. ففي الجزائر أعطت قيادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال, التي كانت في الأصل جزءاً من الجماعة الإسلامية المسلحة أشرس التنظيمات الجهادية الجزائرية، البيعة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ثم حولت نفسها بعد ذلك إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في إشارة لتحول أنشطتها إلى المستوى الإقليمي كله وليس الجزائري فقط كما كانت في الماضي. أما في المغرب فقد راحت الخلايا والمجموعات الصغيرة متنوعة الأسماء تتكاثر في مختلف مناطق البلاد حاملة كلها ملامح الأفكار السلفية الجهادية الأقرب لفكر القاعدة بالرغم من عدم إعلان أي منها انتماءه التنظيمي أو الحركي للتنظيم الأكثر شهرة اليوم في العالم. وفي البلدين وعلى إيقاع أفكار القاعدة السلفية الجهادية راحت تلك الجماعات والمجموعات مختلفة المنشأ والحجم والخبرة تسعى لتوجيه ضرباتها للعدوين الأساسيين لها في وقت واحد، أي "العدو البعيد" أو البلدان والرعايا الأجانب و"العدو القريب" أي الحكومات المحلية التي يرون أنها حليفة لهذه الدول الأجنبية. ومع ذلك فقد أدت الاختلافات التاريخية في المنشأ والخبرة إلى تلك الاختلافات الواضحة التي رأيناها بين عمليات أقرب للهواة غير الممتلكين لقدرات مادية أو عملية كبيرة قام بها "الجهاديون السلفيون" المغاربة، وبين عمليات بدت احترافية وتعكس امتلاك قدرات وخبرات مادية وعملية كبيرة قام بها نظراؤهم الجزائريون من عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال المعروفة اليوم باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
والأكثر رجحاناً هو أن كل من تفجيرات المغرب والجزائر على اختلافها النوعي تعكس حالة متقدمة من التطور في الوجود القاعدي في البلدين بالصورة السابقة وصفه بها ورغبة واضحة من القائمين عليه وبه وخاصة الجماعة الجزائرية في إثباته عبر عمليات نوعية كبيرة تخطف اهتمام الإعلام وتدشن الوجود الإقليمي في المنطقة كلها لما صار يعرف باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. من هنا فالأرجح أن عوامل عديدة قد دفعت قيادة التنظيم في الجزائر لاختيار توقيت وأهداف عملياتها الأخيرة من بينها بعض العوامل الجزائرية الداخلية مثل إظهار قدرة التنظيم على ضرب مقار رئاسة الحكومة مثلما قامت قوات الأمن في الأسبوع الماضي بضرب مقار قيادة التنظيم في جبال شرق الجزائر. ومن بين تلك العوامل ذات الطابع الإقليمي اختيار اليوم التالي لحدوث تفجيرات المغرب الانتحارية الصغيرة للقيام بعمليات الجزائر النوعية الكبيرة، وذلك لتأكيد وجود حالة إقليمية من التهديد القاعدي تشمل الدولتين الأكبر في المنطقة خلال وقت واحد تقريباً. أما الواقع العملي فهو يرجح عدم وجود أي تنسيق مباشر بين تنظيم الجزائر الموحد الكبير وجماعات وخلايا المغرب الصغيرة المتناثرة، فكلاهما يعمل حتى الآن وفق واقعه المحلي وإمكانياته الذاتية وخبرته التاريخية، وإن كان هذا لا ينفي أنهما يصبان في النهاية في مجرى واحد يحمل اسم وعلامة القاعدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي