قدم استقالتك
عملت لفترة في لجنة التوظيف، وكانت تلك من أصعب فترات عملي. يحتاج الواحد إلى كثير من الصبر وكثير من الصراحة، ويضطر إلى الابتعاد عن مواقع ومناسبات وأشخاص بسبب ما قد يسببه حضوره من إحراج.
كبرى مشكلات مجتمعنا أنه يتعامل مع الأمور من وجهة نظر شخصية، ولهذا ينظر الناس إليك ويهتمون بك بقدر ما يتوقعونه منك من مكاسب، ولا يهم إذا كانت المكاسب على حساب الآخرين.
رغم هذا نجد كثيرين يحاولون بكل الوسائل أن يكونوا في ذلك المكان الذي يمكنهم من "الفزعة" لأقاربهم وأبناء عمومتهم، متناسين أن الله ــ تعالى ــ حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرماً. كلامي هذا يخالف كل مبادئ القبيلة والطائفة والمنطقة والمذهب وغيرها من الاعتبارات التي أصبحت تسيطر بدل الأخلاق القويمة والعدالة.
هذه الظواهر ــ في أغلبيتها ــ نتيجة لحالة عدم توازن المخرجات مع الفرص الوظيفية المتاحة. هي كذلك نتيجة لعزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص لأسباب ليس هذا مكان ذكرها وتفصيلها.
أعرف شباباً يقبلون بنصف الراتب الذي يحصلون عليه، مقابل العمل في الحكومة. كما أعرف آخرين ينتظرون الوظيفة الحكومية منذ أكثر من ست سنوات ومستعدون لخسارة الكثير للحصول عليها.
بعد هذه المقدمة الطويلة، أتناول تصريح وزير الخدمة المدنية الذي أكد فيه أنه تم تسهيل إجراءات استقالة الموظف، وذلك باعتماد قبول الاستقالة خلال 30 يوماً من تاريخ تقديمها، بدلاً من النص النظامي السابق الذي يمنع الموظف من الانقطاع عن العمل إلا بعد مرور 90 يوماً من تقديم استقالته.
كما تم خفض الفترة التي يجوز خلالها إعادة الموظف بعد الاستقالة لتصبح ستة أشهر بدلاً من سنة.
يا معالي الوزير، الناس يبحثون عن الوظائف فلا يجدونها فكيف بهم يغادرون ويعودون بهذه السهولة التي يوحي بها التعديل؟ إن العمل على تحسين جاذبية وظيفة القطاع العام ليس من مصلحة الدولة، فالناس أصبحوا يعتبرون الدولة الموظِّف الأوحد. رغم أن نسبة وظائف القطاع العام لإجمالي الوظائف لا تتجاوز 20 في المائة في أغلبية الدول الصناعية.
بدلاً من كل هذا، أتمنى لو تعاونت وزارتا الخدمة المدنية والعمل لتحسين جاذبية وظائف القطاع الخاص التي يهرب منها أبناؤنا.