ضحايا الأسهم .. عند أبواب المساجد!!
بعد أن أنهى الإمام صلاة العصر، استدار بعدها لمواجهة المأمومين, ثم نهض شاب جميل المحيا بهي الطلة, يرتدي ملابس بدا أنها فاخرة لا تخلو من ترف, من هيئته الأولى يتضح أنه ذو نعمة .. استأذن الشاب المصلين ببعض من كلمات.
في مطلع تلك الكلمات لعن الطمع وتبرأ منه, ثم أعلن أنه وقع ضحيةً له .. سرد قصته بعجالة حينما قال " أنا أحد الذين قفزوا عالياً من جراء طفرة سوق الأسهم، وأنا كذلك أحد الذين انتهت حياتهم من جراء هذه السوق .. أما كيف؟ فقد تكاثرت الأموال في يدي وفي رصيدي من خلال محفظتي حتى إني نسيت نفسي وأهلي وكل ما حولي, المهم أن أكسب أكبر الأرقام, ولا بأس إن رهنت أرضاً أملكها أو أقنعت آخرين بإعطائي ما لديهم، من فرط توسيع حجم الكسب, حتى ما يعمله البنك من تسهيلات كانت ضمن أولوياتي .. لكن فجأةً وقعت الفأس في الرأس وخسرت كل شيء، لأكتشف أنني خسرت كل ما أملك ومعه راحتي النفسية .. وعملي الحكومي، فكل شيء ضاع ودفعت ثمنه غالياً .. لم أفق من الصدمة إلا بعد أشهر تسعة من حدوثها .. لتكون حسرتي أكبر ليس فقط على ما أضعته من مال يخصني أنا وحدي, بل من جراء تلك الأموال التي أخذتها بالإقناع والحيلة والضغط من أناس بسطاء لم تكن لهم أي إرادة أو توجه للدخول في هذا المجال .. لكن شيطان الطمع جعلني لحوحاً ضاغطاً .. ويعلم الله أنه من أجلهم ومن أجلي، أنا الآن أمامكم أتطلع لجمع مبلغ قدره مليون و600 ألف ريال لأعيده إلى أولئك المساكين، ولكي يرتاح ضميري".
انتهى كلامه .. وفي المعنى العام لحديث الشاب المذكور فهي "طرارة" عيني عينك, في ظل أنه قد أكملها بالجلوس عند باب المسجد لتلقي المساعدات, ولا نعلم غير ذلك مع الدعاء أن يعينه رب العالمين على ما هو فيه .. وفي المعنى الخاص فالقصة معقولة والأبطال كثيرون لمثل هذه القصة لأن سوق الأسهم "ما قصرت" حينما أحالت كثيراً من أبناء هذا المجتمع إلى ما تحت خط الفقر!
لكن ما يهمنا أكثر من هذا الموضوع أن كثيرين منّا اندفعوا ودون ترو إلى داخل السوق، الكل يبحث عن مغنم سريع وبأقل الجهود, حتى وقعت الفأس في الرأس لتكون نسبة الخسائر وفق أرقام لم تصل إليها أي سوق مالية أخرى في العالم!!.
يحدث ذلك في ظل آلية غير واضحة لسوق المال السعودي، ووسط هيمنة البنوك وسطوة الهوامير, والضحية من كانوا يعتقدون حسن فعل هذه السوق!!.
فهل تعلمنا من إخفاقاتنا وحساباتنا الخاطئة مع سوق المال ؟!.. والسؤال الأهم: هل مسيرو سوق المال استطاعوا وبعد النكسات المدوية السابقة أن يصنعوا آلية ضابطة لهذه السوق ؟!.. آلية لا يستطيع بنك تجاوزها.. ولا يحلم "هامور متنفذ" باختراقها .. نتمنى ذلك حتى يعود لبعض المنتمين لمجتمعنا توازنهم النفسي..والمالي .