الإعلام الخليجي .. وصناعة الإحباط والتوتر
يكثر الحديث هذه الأيام عن الإعلام .. وتعقد المؤتمرات والندوات وتنشر البحوث والمقالات لكن أحداً لم يتطرق إلى دور الإعلام في صناعة الإحباط.. فالمواطن العربي عموما والخليجي خصوصا يشعر (بضيقة صدر) وإحباط وتوتر، ربما لا يعرف الكثيرون أن السبب الرئيس فيها هو الإعلام الذي ينفث بقنواته المختلفة، وعلى مدى 24 ساعة العويل والنواح والنقد لكل شيء وبألفاظ غير لائقة وبصراخ (ونفخ للأوداج) وبحلقة بالعيون وإشارات بالأيدي واشتباك وتحطيم لمحتويات الاستوديو، كما حصل منذ أيام في محطة تلفزيونية أردنية!
وقد يقول البعض إن النقد مطلوب، خاصة ونحن في مرحلة بناء وتغيرات اجتماعية واقتصادية.. لكن الفرق هو في الأسلوب.. فالنقد لمجرد النقد ودون اقتراح حلول مرفوض.. والنقد لجلب الشهرة للكاتب أو المحاور مستهجن.. والنقد لمصلحة خاصة نوع من أشد أنواع الفساد.. ثم موضوع هذا المقال النقد (المتشنج) الذي يزرع التوتر في نفس المتلقي ذنب يجب أن يثقل ضمير من يكتب أو يخرج أو يقدم برنامجا من هذا النوع.. فالكوابيس التي يراها طفل بريء في نومه بعد مشاهدة مثل هذه البرامج وانعكاسها على صحته النفسية ومستقبله الدراسي جريمة لا تغتفر.. ولو نظرنا إلى الإعلام اللبناني لوجدناه يستحق جائزة الإبداع في تقديم النقد على طبق من السخرية التي ترسم البسمة على الشفاه، حتى ولو كان موجها إلى أعلى مستويات الهرم السياسي مظهرا للعيوب بشكل واضح ومؤديا الغرض.. ولكن دون أن يترك توترا وإحباطا لدى المتلقي، كما يفعل الإعلام الخليجي الذي ظل سنوات لا يقرب النقد ولا يسمح به تصريحا أو تلميحا.. ثم فجأة وخلال السنوات العشر الماضية وبعد مولد برنامج (الاتجاه المعاكس) جاء بما لم يأت به الآخرون فأصبحت كل البرامج وكل المقالات للنقد ولا شيء غيره وكأن بلدان الخليج والسعودية بالذات ليس فيها شيء إيجابي وإنما تقصير وتأخر وفساد.. والمواطن التي تدعي تلك الوسائل أنها تدافع عن حقوقه هو الضحية، فقد أصبح مذعورا متوترا يشك في كل شيء ولا يرى إلا ظلاما ولا يسمع إلا صراخا وحوارات تصنف الناس إلى فئات وأقسام وتستعدي بعضهم على بعض!
وأخيرا، يا من تقومون على وسائل الإعلام اتقوا الله في المواطن الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.. فهو لا يستطيع أن يستغني عن متابعة قنواتكم وقراءة صحفكم ويتجرع بذلك سما إعلاميا يسيرا في بدنه فيهرم ويصيبه (الزهايمر) وهو لا يدري ما السبب.. وحتى الأطباء قليل منهم من يكتشف أن السبب هو الإعلام المحبط الموتر للأعصاب، ولذا فإن الآباء والأجداد كانوا أسعد حالا ويسمى زمنهم (بالزمن الجميل) الذي تعكس جماله تلك البرامج والمسلسلات التلفزيونية التي أنتجت وأذيعت في الماضي وهي خالية من الصراخ وجالبة للفرح والبهجة للكبير والصغير.