فنزويلا وكندا .. وحمّى تضخيم الاحتياطي النفطي

كانت فنزويلا من أوائل الدول التي تم اكتشاف النفط بكميات تجارية على أراضيها، وذلك في عام 1914. وظل الإنتاج خلال عقود من الزمن عند مستويات متذبذبة حسب متغيرات الطلب العالمي. وفي نهاية عام 2013 كان الإنتاج عند معدل مليونين و450 ألف برميل. وكان الاحتياطي المثبت من النفط التقليدي في عام 1980 قريبا من 20 مليار برميل. وفي عام 1985 رفعت فنزويلا احتياطيها بجرة قلم، أسوة بباقي أعضاء منظمة الأوبك، إلى 55 مليار برميل دون أي مبرر. وكانت جميع دول الأوبك، دون استثناء، قد تبنت في وسط الثمانينيات حركة عجيبة تضمنت رفع الاحتياطي النفطي لكل دولة بنسب متفاوتة، بين 40 إلى 60 في المائة، كردة فعل لقرار المنظمة باعتبار الحصص الإنتاجية لكل دولة يتناسب مع مقدار الاحتياطي المُعلَن. ومن الواضح أن حركة رفع كمية الاحتياطي التي طبقتها الدول المعنية في وقت متقارب لم تفدهم في شيء لأن النسبة بين احتياطيات الأعضاء ظلت شبه ثابتة.
وفي عام 2007 وحتى عام 2011 قررت فنزويلا رفع الاحتياطي عامًا بعد عام إلى أن وصل إلى 297 مليارًا، ليصبح أكبر احتياطي في العالم. ومعظم تلك الإضافات المتكررة من النفط الثقيل الذي تم أخيرا تصنيفه مع النفط التقليدي. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا أقدمت فنزويلا على إضافة كميات كبيرة من احتياطي النفط الثقيل غير التقليدي إلى النفط التقليدي؟ فالمعروف أن تعريف النفط التقليدي المتفق عليه عالميًّا لا ينطبق على تلك النفوط الثقيلة والرمال النفطية والنفوط الصخرية، لأن إنتاجها غير تقليدي. ولماذا تسمح لها الهيئات الدولية المختصة بشؤون مصادر الطاقة والمجتمع الدولي بهذا التصرف غير المنطقي؟ وهل هو طمَعًا في رفع مرتبة فنزويلا إعلاميًّا بين ترتيب الدول المنتِجة للنفط، وهو لا يبْعِد ولا يُدني؟ ونحن لا نرى في ذلك لا مكاسب سياسية ولا مادية.
ولم يطرأ حتى يومنا هذا زيادة كبيرة لها قيمة في إنتاج فنزويلا كنتيجة لرفع حجم احتياطيها، على الرغم من حاجة البلاد إلى مزيد من الدخل. ويقدَّر الإنتاج من النفط الثقيل، أو عالي اللزوجة، بأقل من 400 ألف برميل في اليوم فقط، من احتياطي يزيد على مئات المليارات من البراميل. وعلى الرغم من إنتاج هذه الكمية إلا أن هناك صعوبة في الحصول على التكلفة الحقيقية لإنتاج البرميل من هذا النوع الثقيل. ولكن مقياسنا هو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الذي تتراوح تكلفة إنتاجه من 70 إلى 90 دولارًا للبرميل الواحد. وقد أوضحنا في أكثر من مناسبة أن هذه التكلفة تكاد تتضاعف لو تم الإنتاج خارج أمريكا. وقد وصفها أحد الكتاب المهتمين بشؤون مصادر الطاقة بأنها خصوصية أمريكية. والشاهد هنا أنه لو كانت تكلِفة إنتاج النفط الفنزويلي الثقيل قريبة من تكلفة النفط الصخري لتدفقت على فنزويلا الاستثمارات في مجال إنتاجه. ولعلنا نذكر أن التكلفة العالية ليست فقط في عملية الإنتاج والنقل، بل هي أيضا في معالجته وتكريره. فالنفط الفنزويلي الثقيل يحتوي على كميات كبيرة من الشوائب التي تتطلب عناية خاصة وتكلفة باهظة لإزالتها، وهي تدخل في جملة التكاليف الفعلية لتحويله إلى مشتقات نفطية ذات فائدة ولها مردود اقتصادي. ويوجد في فنزويلا كميات كبيرة من الرمال النفطية، كالتي تتواجد في كندا، ولكنها على عمق أكبر بكثير من الرمال النفطية الكندية. ولذلك فمن المتوقع ألا يكون إنتاجها اقتصاديًّا على المدى المنظور. وإنتاج فنزويلا من النفط، كان قد بلغ الذروة في عام 1970 عند مستوى ثلاثة ملايين و700 ألف برميل في اليوم. والآن، ورغم احتياطيها الضخم الذي تدعيه، لا يزال في حدود مليونين و450 ألف برميل. ولدى فنزويلا مخطط لرفع الإنتاج إلى ثلاثة ملايين برميل خلال عام 2014.
وكانت كندا هي الأخرى، قد سبقت فنزويلا في ركوب الموجة نفسها فقررت في أواخر العقد الماضي إضافة مخزون النفط الرملي غير التقليدي إلى احتياطيها التقليدي الذي كان لا يزيد على أربعة مليارات و700 ألف مليون برميل. ويبلغ مجموع الاحتياطي الكندي اليوم قريب من 172 مليار برميل. وكان اكتشاف النفط في كندا أيضا مبكرًا. فقد تدفق النفط من أول بئر في منطقة البرتا المشهورة في عام 1902، بمعدل 300 برميل في اليوم. وكانت على عمق قريب لا يتعدى 311 مترًا. وإنتاج كندا اليوم لا يتجاوز ثلاثة ملايين برميل في اليوم الواحد، رغم ضخامة الاحتياطي الذي نسبة 95 في المائة منه من مكونات الرمال النفطية ذات التكلفة العالية. ومن المعروف أن إنتاج النفط الرملي يستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وعلى وجه الخصوص الغاز. ويُعتبر من أسوأ أنواع النفوط بالنسبة للتلوث البيئي. ومع ذلك فهناك تقارير تفيد بأن نسبة كبيرة من الإنتاج تنافس تكلفتها النفط الصخري الأمريكي. وهو ما سيجذب المزيد من الاستثمارات. ويبقى التحدي الأكبر نقله إلى الأسواق النفطية. وهنا يجدر بنا طرح التساؤل الآتي: إذا كان من المقبول إضافة الرمال النفطية والنفط الثقيل إلى احتياطي ما يسمى بالنفط التقليدي، أليس النفط الصخري أولى بتحويل مسماه إلى نفط تقليدي؟ كان الغرض الأساس من التصنيف، تقليدي وغير تقليدي، هو فصل النفوط ذات التكلفة الرخيصة عن الأنواع الجديدة مرتفعة التكاليف وقليلة الإنتاجية. وذلك حتى يمكن للمجتمع الدولي متابعة نضوب التقليدي الرخيص ذو الجودة العالية والإنتاج الغزير ويستعد لمرحلة هي أكبر صعوبة. وسواء اقتنع المجتمع الدولي أم لا يزال يحدوه الشك، فذرة إنتاج النفط التقليدي المُسََلَّم به قد حطت رحالها وانتهى أمرها. والدليل أن إنتاج ما يزيد على 90 مليون برميل مكافئ من السوائل النفطية والنفط التقليدي وغير التقليدي لم تستطع تخفيض الأسعار إلى ما دون الـ 100 دولار، مع أن الكل ينتِج بكامل طاقته. ومن المحتمل أن يظل الإنتاج العالمي الذي يكوِّن منه التقليدي أكثر من 80 في المائة، عند المستوى الحالي لعدة سنوات، وهو ما يطلق عليه مرحلة "البلاتو" ثم يبدأ في الانخفاض رغم الإضافات المتواضعة من المصادر غير التقليدية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي