الاستراتيجية التربوية الخليجية .. المحرك الأقوى
الاستراتيجية التي أعلنت للعمل التربوي بين دول مجلس التعاون الخليجي، جاءت في الوقت المناسب. أما لماذا مناسب؟ فلأن دول المجلس أخضعت في السنوات العشر الماضية، أنظمتها التربوية والتعليمية إلى إعادة هيكلة – إن جاز التعبير -، ولا تزال هناك دول تسير في هذا الاتجاه، وإن تأخر بعضها عن بعض. أي أن إعادة التشكيل المحلي، كان خطوة ضرورية، لبناء استراتيجية العمل التربوي الخليجي، وهي في الواقع استراتيجية في صلب التعليم بكل مراحله. والخطة الخمسية لهذه الاستراتيجية، تترك مجالاً لإعادة تقييم ما تم في هذا المجال بين عامي 2015 و2020. وهو أيضاً أمر ضروري، لإصلاح ما قد يتطلب ذلك من بعض الجوانب. والخطط التربوية جزء أصيل من الخطط التنموية، فلا يمكن للثانية أن تتقدم، دون تقدم مواز لها من الأولى. ويستحيل أن يحقق أي حراك اقتصادي استراتيجي مستدام خطوات واقعية، إذا لم يكن شاملاً للموارد البشرية، التي لا بد أن تكون مشمولة هي الأخرى، باستراتيجية تربوية تعليمية متطورة.
الاستراتيجية التي أعدها مكتب التربية العربي لدول الخليج، تحدد الأطر الضرورية للمضي قدماً، نحو ناتج وعائد تربوي – تعليمي من الدرجة الأولى. خصوصاً أن المرحلة السابقة في هذا المجال، ظلت لعقود ضمن المعايير التي قامت عليها، وباستثناء السنوات القليلة الماضية، التي تحرك فيها القطاع التربوي في الخليج نحو التغيير، لم تحدث في السابق أي نهضة في هذا المجال. فدول مجلس التعاون دخلت مرحلة مختلفة تماماً عما كانت عليه في السابق، ليس فقط من جهة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، بل أيضاً على صعيد الموارد البشرية، التي تشكل أساساً لهذه الإصلاحات. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن الانتقال - على سبيل المثال - من اقتصادات ريعية إلى أخرى منتجة، يضع الاستراتيجية التربوية المشار إليها في قلب الحراك كله. مع ضرورة الإشارة، إلى أن هناك الكثير من الثغرات في قطاع التربية والتعليم في دول الخليج العربية.
لا شك أن تنسيق السياسات في هذا المجال يمثل نقطة محورية أخرى، لأن ذلك سيعطي ناتجاً مطلوباً هنا وهناك، خصوصاً إذا ما كان هذا التنسيق يشمل مخرجات التعليم. وهذه الأخيرة بحد ذاتها، ينبغي أن تكون ضمن الدائرة الأهم، ولاسيما في ظل المعاناة التي تواجهها جميع الدول الخليجية - دون استثناء - في مسألة التوفيق بين متطلبات السوق ومخرجات التعليم. وهذه "السوق" لم تعد كما كانت.. إنها تتطلب موارد بشرية متوافقة مع التغيير الهائل الذي تشهده. وفي ظل الخطط التنموية الاستراتيجية التي أطلقتها غالبية دول مجلس التعاون في الأعوام الماضية، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يخرج عن نطاقها. نسبة لا بأس من البطالة التي تشهدها دول المنطقة، تعود إلى هذا الفارق بين احتياجات السوق ومخرجات التعليم.
من أهم العناصر التي تكفل النجاح للاستراتيجية الخليجية التربوية، تطابق الحالة العامة للدول المعنية فيها. وعلى هذا الأساس، لن تكون هناك مشاكل أو ثغرات في عملية التنفيذ، بل على العكس تماماً، ستشهد تنفيذاً سلساً، يكفل بدوره العوائد المرجوة منها. لا بد من أن تكون هذه الاستراتيجية - الخمسية -، أولى الاستراتيجيات في مجال التربية والتعليم ومخرجاتهما. فالانتقال من مرحلة إلى أخرى، يتطلب معايير أخرى تفرضها عملية الانتقال والمستجدات والتحديات التي تظهر في الطريق. من دون التنمية البشرية، لا توجد تنمية حقيقية. بعض الدول المتقدمة، أعلنت بوضوح، أن أهم نجاح لها هي ذاك الذي تحققه في قطاع التربية والتعليم، لأنه المحرك الأقوى للمجتمع بكل ملحقاته.