نشوة الأسواق التجارية تتجاهل واقع الرسوم الجمركية
إن التفاؤل الذي يجتاح أسواق الأسهم العالمية عقب أنباء عن صفقات تجارية أمريكية ناشئة ومتوقعة أمرٌ لا يمكن إنكاره ومفهوم. ولكنه محيرٌ أيضًا.
سجّل مؤشر ستاندرد آند بورز 500، ومؤشر فوتسي 100 البريطاني، ومؤشر إم إس سي آي لجميع الدول، مستويات قياسية جديدة هذا الأسبوع، ولم تتخلف عنه مؤشرات عالمية أخرى بفارق كبير. وقد رفع محللون في جولدمان ساكس وبنوك كبرى أخرى أخيرا توقعاتهم لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 لنهاية العام بنسبة تصل إلى 10%.
الدافع واضح:
ستكون الرسوم الجمركية الأساسية على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة أقل بكثير من الرسوم التي هدد بها الرئيس دونالد ترمب سابقًا. تبيّن هذا الأسبوع أن الضريبة على السلع اليابانية ستكون 15%، وليس 25%، وتشير المؤشرات إلى أن أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي سيُفرض عليه 15% أيضًا. وهذا نصف النسبة التي هدد ترمب بفرضها.
فجأة، لم تعد الصورة قاتمة كما بدت قبل بضعة أشهر. يعتقد الاقتصاديون أن المعدل الإجمالي النهائي للرسوم الجمركية الأمريكية سيستقر عند نحو 15-20% بمجرد التوصل إلى اتفاقات مع بروكسل وبكين، وهو مستوى تراهن الأسواق على أنه لن يدفع الاقتصاد إلى الركود.
يشير هذا إلى أن إستراتيجية ترمب الفوضوية ظاهريًا - التهديد بالتدمير الاقتصادي المؤكد بشكل متبادل، وانتزاع التنازلات ثم التراجع للحد من أضرار السوق - تؤتي ثمارها. ولكن هل ستفعل ذلك؟
على أحد أن يدفع
على الرغم من نشوة السوق، تظل الحقيقة أنه في 31 ديسمبر من العام الماضي، كان متوسط إجمالي الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع المستوردة نحو 2.5%. لذا، حتى لو انتهى الأمر بالوصول إلى النطاق المتوقع بين 15% و20%، فسيظل هذا الرقم 6 أضعاف ما كان عليه قبل بضعة أشهر فقط، وهو أعلى مستوى له منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
يقدر وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن عائدات الرسوم الجمركية هذا العام قد تصل إلى 300 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وباستقراء واردات السلع العام الماضي البالغة 3.3 تريليون دولار للعام المقبل، فإن فرض ضريبة بنسبة 15% قد يجمع ما يقرب من 500 مليار دولار، أو ما يزيد قليلاً على 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
فمن سيتحمل هذه الفاتورة؟ هل هو المستهلك الأمريكي، أم المستوردون، أم المصدرون في الخارج؟ أم مزيج من الثلاثة؟ من المرجح أن يتم تقسيمها في الأغلب بين المستهلكين والشركات الأمريكية، ما يضغط على إنفاق الأسر وأرباح الشركات. وفي كلتا الحالتين، من الصعب أن نرى كيف لن يكون هذا ضارًا بالنمو. قد لا نعرف ذلك إلا بعد فترة، إذ سيستغرق وصول البضائع المتأثرة إلى الولايات المتحدة ووصولها إلى رفوفها، وتحصيل عائدات الرسوم الجمركية، أشهرًا
.
علامات التفاؤل
يبدو زخم السوق على المدى القصير واضحًا. فقد أغلق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 فوق متوسطه المتحرك لمئتي يوم لمدة 62 يومًا متتالية، وهي أطول سلسلة ارتفاعات منذ 1997، وفقًا لريان ديتريك من مجموعة كارسون. كما عاد جنون "أسهم الميم" أيضًا، في إشارة أخرى إلى أن شهية المخاطرة قد تنفصل عن العوامل الأساسية.
في الواقع، تُسعّر الأسواق إلى شيء يقترب من الكمال. وفقًا لـ LSEG I/B/E/S، يبلغ متوسط نمو أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للعام المقبل 14%، وهو معدل لم يتغير تقريبًا عن 14.5% المسجلة في الأول من أبريل، قبيل فرض ترمب رسومًا جمركية في "يوم التحرير". حتى متوسط النمو المتوقع لعام 2025، والبالغ نحو 9%، لا يقل كثيرًا عن 10.5% المسجلة في الأول من أبريل.
أظهر استطلاع رأي أجرته رويترز أواخر العام الماضي متوسط نمو متوقع لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 في نهاية عام 2025 عند 6500. المؤشر قريب من ذلك بالفعل، ويتداول عند نفس المضاعف تقريبًا الذي كان عليه في 31 ديسمبر، أي بنسبة سعر إلى ربحية مستقبلية تبلغ 22 على مدى 12 شهرًا.
هل يمكن لاقتصاد يُتوقع أن يبلغ معدل نموه العام المقبل 2% أو أقل أن يدعم هذه التوقعات العالية؟ ربما. لكن هذا سيشكل تحديًا لمعظم الشركات، باستثناء شركات التكنولوجيا العملاقة "السبعة الرائعة" التي قد يحميها حجمها بشكل أفضل من الرسوم الجمركية أو تباطؤ النمو. في نهاية المطاف، يُعد هذا كله تجربةً ضخمةً تُقارن بين سياسات الحماية التجارية ورسوم فترة الكساد الكبير، وبين المبادئ الاقتصادية الراسخة على مدى الأربعين عامًا الماضية. وهو مثالٌ آخر على قدرة مستثمري الأسهم على إيجاد بصيص أملٍ في أي شيء تقريبًا.
كاتب عمود ومحلل مالي في وكالة رويترز