زيادة الحواجز الجمركية وصدمة العجوزات
في تناقض صارخ، يشير تقريرنا إلى أن زيادة الحواجز الجمركية في البلدان التي تسجل عجزا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، لا يُحدث سوى تأثير طفيف في الاختلالات العالمية. ويرجع ذلك إلى أن التعريفات الجمركية تكون بمنزلة صدمة عرض سالبة في البلدان التي تفرضها. فهي تخفض حجم الاستثمار، الذي يكون أقل ربحية، والادخار اللازم لتمهيد صدمة الدخل، ما يُبقي أرصدة الحسابات الجارية دون تغيير يُذكر.
وفي غضون ذلك، قد تؤثر العملية القائمة لإعادة ضبط المعايير الاقتصادية الراسخة على النظام النقدي الدولي، الذي يُعرّف بأنه مجموعة القواعد والمؤسسات والآليات التي تنظم كيفية إجراء الدول للمعاملات المالية عبر الحدود. ويظل وجود نظام نقدي دولي يتسم بالكفاءة أمرًا بالغ الأهمية للحيلولة دون تراكم نقاط الضعف المالية ومعالجة نقاط الضعف القائمة.
وقد استمرت هيمنة الدولار، بل وتعززت، على مدار التاريخ، مستفيدة من عوامل الانتشار الشبكي الخارجية المتداخلة بين استخداماته كعملة وسيطة للتجارة والتمويل على الصعيد الدولي، وعملة معيارية لاستقرار أسعار الصرف وحيازات الاحتياطيات، ومستويات السيولة والأمان غير المسبوقة لسندات الخزانة الأمريكية.
وقد أسهمت هذه الهيمنة في استدامة الطلب العالمي على الأصول الاحتياطية الدولارية. فمن جهة، سمح ذلك للولايات المتحدة بزيادة اقتراضها وبتكلفة أقل، ما ولّد زيادة كبيرة في العائدات على المطالبات الخارجية مقارنةً بالخصوم الخارجية (وهو ما يُسمى "الامتياز الباهظ" للدولار). ولكنها أدت أيضا إلى زيادة تعرض المركز الخارجي للولايات المتحدة للمخاطر العالمية — مع قيام الولايات المتحدة بتقديم تأمين ضد هذه الصدمات العالمية لبقية العالم (ما يُسمى "بالرسوم الباهظة").
ويوثق تقريرنا أيضا تزايد التفاوت على مستوى التجارة العالمية والشبكات المالية. ففي ظل نظام نقدي دولي مستقرّ متمركز حول الدولار، تمكّنت البلدان من تعميق تخصصها في التجارة أو التمويل. وعلى سبيل المثال، خلال الفترة بين عامي 2001 و2023، قدمت الصين والولايات المتحدة أنماطاً متباينة، حيث أصبحت الصين تقوم بدور محوري بشكل متزايد في شبكة التجارة الدولية، بينما كان دورها في شبكة التمويل الدولية محدودا، في حين حافظت الولايات المتحدة على دورها المهيمن في التمويل وليس في التجارة.
وعلى الرغم من استمرارية استقرار النظام النقدي الدولي واستمرار هيمنة الدولار الأمريكي، فإن بعض التطورات الأخيرة تستحق المراقبة عن كثب.
أولاً، رغم أن الاختلالات العالمية تطفو على السطح من جديد، تُشكّل الاعتبارات الجغرافية-السياسية بشكل متزايد التجارة الثنائية والاستثمار المباشر وتدفقات الحافظة، ما يحد من التفاعلات المباشرة بين البلدان الأبعد من الناحية الجغرافية-السياسية. وفي نهاية المطاف، قد يُمهّد هذا الطريق أمام نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب ومجزأ. ومع أن هناك جدل بشأن ما إذا كان النظام المتكامل أحادي القطب أكثر فائدة للاقتصاد العالمي أم النظام المتكامل متعدد الأقطاب
وثانيًا، ربما دفع التصعيد الأخير للتوترات التجارية، إلى جانب خطر التوترات المالية المحتملة، وارتفاع مستويات الدين الأمريكي، وتخفيف الامتيازات الباهظة للولايات المتحدة، بعض المستثمرين على الصعيد العالمي إلى إعادة تقييم مدى تعرضهم لمخاطر الدولار. وحتى الآن، تتسم تطورات الأسواق بالانضباط، مع زيادة الطلب على التحوط بالدولار وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 8% منذ يناير، وهو أكبر انخفاض نصف سنوي له منذ عام 1973، وإن كان ذلك بعد أعلى مستوى له منذ عدة عقود في 2024.
وثالثًا، قد يُعزز الابتكار الرقمي في المعاملات عبر الحدود، مثل ظهور عملات الدولار الأمريكي المستقرة، هيمنة الدولار، ولكنه قد يُشكل أيضًا مخاطر على الاستقرار المالي.
وينبغي للبلدان مواصلة تعزيز قدرتها على الصمود من خلال تحسين الأساسيات الاقتصادية الكلية المحلية، بما في ذلك بناء الحيز المالي وترسيخ أطر سليمة للسياسات. ومن المخاطر الرئيسية التي تهدد الاقتصاد العالمي أن تلجأ البلدان إلى زيادة الحواجز التجارية لمواجهة الاختلالات المتزايدة، مما يؤدي إلى تفاقم التشرذم الجغرافي-الاقتصادي. ورغم أن التأثير في الاختلالات العالمية سيظل محدودًا، فإن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد العالمي سيكون طويل المدى.
أستاذ الإدارة العالمية في كليتي الاقتصاد وهاس لإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا