لماذا ينجح السعودي؟
أظن هناك إجماعا في أن النجاح الاقتصادي مدخل لكل النجاحات في جميع الميادين الأخرى من الحياة لسببين: الأول فلسفي لأن الاقتصاد هو أسهل العلوم الاجتماعية للقياس بالرغم من ما يعتري هذه الطرح من جدل فكري. الثاني عملي حيث إن المقدرات الاقتصادية ممكن رئيس لنواحي الحياة الخاصة والعامة.
على مدى قرن وحتى قبل النفط استطاعت الإدارات السعودية من السيطرة على الأوضاع بالرغم من شح الموارد لسبب رئيس يتمخض في توفر ما هو أهم من الموارد المادية في وقت الشدائد من عزيمة وتعاون وتماسك بين القيادة والعامة وبين الفئات المجتمعية المختلفة. فالبذرة الأولى صالحة، لذلك الاستمرار وتغير الموارد لم يؤثر في مدى التظافر المجتمعي.
تغيرت الظروف والنهج لأسباب موضوعية في تفاعل صحي مع المستجدات من عوامل أهمها النفط والتقدم المعرفي والخبرة الإدارية والمنافسة مع الدول الأخرى. يقال مجازا إن التركيبة الجينية للمجتمع سليمة. ومن هذه العناصر العلاقة بين القيادة والقاعدة التي يحذوها الثقة والتواصل المستمر، ومنها الترابط الأسري والعائلي، ومنها قبول التوزيع والتمايز البشري في المواهب والمساهمة والجهد لأن كل مجتمع في حراك دائم، ومنها الأدوار المجتمعية في مساعدة المحتاج من المال العام والخاص. أيضا من هذه العناصر المرونة في تغيير وتعديل الخطط لأسباب عادة عملية حسب المستجدات.
تتغير الأدوات والأولويات حسب العصر، أيضا لا بد من القول إن كثيرا من هذه الأدوات والمراحل في تطابق وتشابه ولو تحت مسميات جديدة أحيانا، فمثلا المراحل الأولى كان هناك حاجة واضحة لتحقيق قفزات في البنية التحتية والبشرية تطغى على الإنفاق، ثم دخلنا حقبة العلاقة بين الإنفاق ودخل النفط في تجاذب دوري بهدف استقرار الاقتصاد، ومن ثم دخلنا مرحلة جديدة يغلب عليها رغبة أخرى في قفزة مؤثرة مع عين على تقليل الاعتماد على النفط وبالتالي سعي لمشاريع كبيرة في مجالات كثيرة لأن الطموح عال وبالتالي يحدث تنافس بين الأولويات ويصبح الفرز أكثر صعوبة.
أثناء تنفيذ المشاريع الكثيرة يحدث أيضا تطابق بين التوسع الذي يظهر ضروريا لأنه أحيانا قاعدة للنمو ولكنه بطبيعته غير مستدام والنمو العضوي للاقتصاد الذي يراهن على التنوع المتوازن وتعميق المعرفة الفنية للجميع ورفع الإنتاجية حيث هناك وعي وحصافة من القيادة. لذلك في الأخير لدى الكادر السعودي المميز القدرة على التفريق بين التوسع (مؤقت) والنمو (مستدام).
أراهن على الفهم والمرونة السعودية في التغيير بسرعة في الوقت المناسب. الرؤية السعودية تعبير عن رغبة قوية لتحقيق قفزة من خلال عشرات المبادرات. لن تحدث عنها جميعا بسبب المساحة. وفي هذه المرحلة هناك جانب المبادرات وهناك جانب الحماية، الأول في نظري يتمثل في سياسة الطاقة لأن الطاقة هي المحور الأهم في اقتصاد السعودية، والحماية تتمخض في الحفاظ على فائض مقبول في حساب المدفوعات الجاري.
اختارت الطاقة لأسباب موضوعية يعرفها الجميع عن الاقتصاد الوطني، ولكن أيضا من ناحية عملية لا بد من ما يسمى Anchoring - سارية تقود التوجه- فحين يكون التوجه صحي وواضح الكل يأخذ المكان المناسب لدفع العجلة برتابة ومسافة مقبولة. ما تقوم به وزارة الطاقة واضح وشامل في الاستثمارات في الإنتاج الحالي والمتجدد والتسعير والتنويع لأهم قطاع الاقتصاد. بينما الفائض ولو متغير في الحساب الجاري ضروري للسيطرة على المخاطر والاستقرار لأن عمليات التحول لا بد أن تتعرض لتقلبات لا يمكن التنبؤ بها.