إحصائية بلاغات الفساد .. ماذا تعني؟

اليوم نتعامل مع أرقام وإحصائيات البلاغات ضدّ الفساد، وهي تجربة تعطي مدلولاً ومعنى وتترتب عليها نتائج مباشرة لأن خط البلاغات مفتوح، وكل مَن توافرت لديه معلومة عن فساد في أي قطاع حكومي، له الحق في تقديم تلك المعلومة تحت بند بلاغ ضدّ الفساد إلى "نزاهة"، التي بدأت تأخذ مساحة كافية في مراقبة تطبيق الأنظمة واللوائح ومحاربة أي سلوك خاطئ، أو تعدٍّ على مال عام، أو تقصيرٍ في تنفيذ مشروع خدمي.. إلى غير ذلك. ولمَن أراد مزيداً من تنوُّع بلاغات الفساد، فعليه قراءة الإحصائية المنشورة بهذا الخصوص، حيث يتضح أن التعثر أو التأخُّر أو سوء التنفيذ في المشاريع الحكومية لها الصدارة بكل جدارة.
وفي المركز الثاني هناك تدني الخدمات الصحية، ثم تدني خدمات الطرق، ثم تدني خدمات المياه، ثم تدني خدمات الكهرباء. ونالت وزارة الشؤون البلدية والقروية النصيب الأكبر من البلاغات، وجاءت وزارة الزراعة في المركز أو بالأصح المرتبة الأخيرة؛ هذا من حيث التصنيف الخدمي المشاهد، أما من حيث التصنيف الجنائي، فإن سوء الاستعمال الإداري للسلطة هو الأكثر حدوثاً بينما تأتي "الواسطة" ثم الاختلاس متتاليين في دراسة لعشرة آلاف بلاغ، منها 75 في المائة خارج اختصاص الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي ليست هي الوحيدة في ميدان مكافحة الفساد، فالأجهزة الرقابية متعدّدة وذات اختصاص يضع لها إطار العمل الإداري وفق نظامها الذي يحدّد وظيفتها ومهامها أيضاً.
إن لب فكرة مكافحة الفساد يدور حول إدارة المال العام وحُسن استخدامه وسلامته من إخراجه عن المصلحة العامة، وهي مسؤولية كل جهاز حكومي سواء كان خدمياً أو غير خدمي، ولكن لأن المرافق الحكومية الخدمية ذات صلة يومية بالمواطن والمقيم، فإنها هي المحور الرئيس في صراعنا مع الفساد، كما أن سلوك الموظف العمومي قد يكون محل فساد بسبب تعارض مصلحته مع المصلحة العامة أو تربحه غير المشروع من الوظيفة العامة. لذا فإن جريمة الرشوة من ضمن أنواع الفساد الذي شملته الإحصائية، حيث جاءت في آخر نسب البلاغات 2.9 في المائة، وكذلك 2.9 لعدم الالتزام بساعات الدوام الرسمي.
لقد أوضحت الدراسة أن تأخُّر المشاريع الحكومية وتعثرها يحتلان 50 في المائة من نسبة توزيع البلاغات حسب تدني مستوى تنفيذ الخدمات والمشاريع، يليها سوء تنفيذ المشاريع الحكومية بنسبة 30 في المائة، أي أن معظم الفساد الذي نحاربه مرتبطٌ بالمشاريع الحكومية، وبمعنى آخر معاناتنا مع المشاريع هي لب القضية، ومن هنا جاءت وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة النقل، ووزارة المياه والكهرباء، في قلب الحدث، لأن مشاريعها تعني كل مدينة وكل قرية وكل مواطن وكل مقيم، فالمشاريع هي الأعمال المشاهدة، بل إن تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" الأخير كشف عن تعثر 799 مشروعاً حكومياً من جملة 3064 مشروعاً بقيمة 249 مليار ريال.
نعم، اليوم لنا وقفة رقمية مع الفساد، فالأرقام تتحدث عن مستوى الفساد كماً ونوعاً، وبالأرقام نستطيع أن نعرف موقعنا من الفساد، وإلى أي مدى تمكَّن منا، وبالأرقام يُقاس كل شيء بدءاً من المسافات ودرجات الحرارة والبرودة والسكان والدخل وهكذا، فالأرقام خير ما يخبرك بما يجري وما يمكن أن تغيره في إنجاز المشاريع وتنفيذها بالجودة المطلوبة وفي التوقيت المحدّد، وإن وراء المشاريع مخالفات لأنظمة ولوائح وقرارات في غاية الوضوح. من هنا، فإن السؤال عن دور "الواسطة" في تعثر المشاريع وعدم تنفيذها وتأخيرها وسوء تنفيذها وجميع معاناتنا معها، فلنفتش عن "الواسطة" سنجدها مع الرشوة تقفان خلف معاناتنا مع الفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي