معركة إعلامية طويلة ومتواصلة

[email protected]

شاركت، قبل عدة أيام، في برنامج حواري على NPR، وهي أكبر محطة أخبار في أمريكا، للتحدث عن الخليج. وكان معي في ذلك الحوار اثنان آخران ممن يسمونهم "خبراء" في شؤون الشرق الأوسط كانا يتحدثان عن الوضع الراهن في المنطقة لملايين الأمريكيين الذين لا يعرفون شيئا غير ما يقال لهم.
وتناول المتحدثان الوضع في العراق، وبرنامج إيران النووي، والشؤون السعودية, ولم أسمع في حياتي جهلاً مثل الذي سمعته عندئذٍ, فقد ركزا بشدة على الدعم السعودي المزعوم للمتمردين السنة في العراق، وعلى أعداد المتطوعين السعوديين في العراق, وغيره من موضوعات ممجوجة ومملة ظلت تتردد مثل الأسطوانة المشروخة.
وسأل مقدم البرنامج سؤالاً عن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى السعودية الأسبوع الماضي. ولم تعجبه إجابتي عندما قلت إن المحادثات بين الجانبين جرت في جو ودي وإن كلاً من السعودية وإيران يريدان الأمن والاستقرار لمنطقة الخليج. وبالطبع لم يستحسن مقدم البرنامج حديثي عندما قلت إن البلدين جاران وعضوان في منظمة المؤتمر الإسلامي وكلاهما معني بأمن وسلامة ووحدة العراق.
وفجأة تدخل أحد المشاركين في الحوار قائلاً: إن أحد المحللين السعوديين كتب في صحيفة "الواشنطن بوست" أخيرا عن الجهود التي تبذلها المملكة لتقوية "السنة" في العراق. وعندما حاولت الرد على مزاعمه قطع مقدم البرنامج حديثي وشكرني على مساهمتي! ولأن الحديث كان على الهواء مباشرة، فلم يرد مقدم البرنامج أن يستمع الشعب الأمريكي إلى وجهة نظر سعودية.
وقد أكدت مرارا وتكرارا أنني لست من المؤمنين بنظرية "المؤامرة", لكنني بت مقتنعا الآن وبعد تلك الحادثة أن معظم الإعلام الأمريكي، الداعم والمنحاز دائما إلى إسرائيل، لا يريد أن يسمعنا, ناهيك عن التعاطف معنا.
وقد تضايق مني مقدم البرنامج عندما سألته عن مستوى الخبراء بعد أن سمعت أحدهم يقول إن عشرين من منفذي هجمات 11 أيلول (سبتمبر) كانوا سعوديين!! وكان العدد الكلي للمنفذين هو (19) شخصًا ولم يكونوا كلهم سعوديين!! وتذكرت حينها قول شكسبير الخالد: إن المعرفة القليلة خطر كبير!
وفي حالة ذلك المتحدث الجاهل فإن خطر قلة المعرفة أو عدمها أشد لأن الملايين الذين كانوا يستمعون إلى تلك الترهات من الذين يحملون المشاعر المعادية أصلاً للعرب والمسلمين.
والأمريكيون بشكل عام ليسوا سيئين, بل يمكن أن نقول عليهم إنهم شعب جيد, لكن إذا ظلوا طوال العام يستمعون إلى المعلومات المعادية لنا فإنهم بلا شك سيتأثرون وبالتالي لن تكون نظراتهم إلينا إيجابية, بل ستكون خاطئة ومغلوطة.
وذكرت هذا إلى عدد من أصدقائي الإعلاميين الأمريكيين فكان ردهم إن هذا ذنبنا ونحن المسؤولون عن ذلك, لأنه ليس لدينا المتحدثون اللبقون المتعلمون الذين يمكنهم الظهور على شاشة التلفزة الأمريكية ومخاطبة الشعب الأمريكي من خلالها.
ولم يكن قولهم بعيدا عن الحقيقة لأن الشعب الأمريكي ليس لديه الفرصة ليقرأ صحفنا ويتابع وسائل إعلامنا، كما أن الكثيرين من كتابنا لا يتقنون لغة ثانية غير العربية التي يكتبون بها, وهذا شيء محزن حاولنا في "عرب نيوز" معالجته من خلال ترجمة مقالات الكتاب السعوديين ووضعها على شبكة الإنترنت وكانت ردود الفعل التي جاءتنا مدهشة, حيث قرأ الناس من نيويورك إلى سيدني شيئا من السعودية.
وكانت المشكلة الحقيقية التي واجهتنا، إلى جانب شح ونضوب الموارد، هي عندما يطلب القراء حوارا مفتوحا مع أحد هؤلاء الكتاب حيث يقفز الحاجز اللغوي ولا يتم اللقاء.
ويمكن التغلب على هذا الأمر لأن لدينا جيوشا من الشباب والشابات المتعلمين الذين يمكنهم عرض وجهة النظر السعودية ببراعة واقتدار.
ولا أقصد هنا تحسين صورتنا أو الدفاع عنها لأن الضرر أصلاً قد حدث خصوصا من قبل شركات العلاقات العامة التي استأجرناها لتحسين الصورة فزادت الطين بلة.
إن المعركة الإعلامية ستكون طويلة ومتواصلة ويجب أن نعد العدة للتعامل معها حيث لا تنقصنا الموارد البشرية, وكل ما ينقصنا هو أن يدخل الذين يشتكون من تأثير الإعلام الغربي أيديهم في جيوبهم ويساعدونا لكي ندرب هذه القوى البشرية لتدحض الافتراءات وتحسن الصورة.
ولا أظن أنني أطلب كثيرًا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي