الذكاء الاصطناعي ودور الحكومات والشركات

في شهر يوليو، عقدت إدارة ترمب فعالية بعنوان "الفوز بسباق الذكاء الاصطناعي"، حيث كشفت النقاب عن خطة عمل الذكاء الاصطناعي. ومثلها كمثل صفقات مراكز البيانات وقيمتها مليارات الدولارات التي أُعلن عنها أثناء رحلة الرئيس دونالد ترمب إلى الخليج العربي في مايو الماضي، فإن المقصود من هذه الخطة تعزيز الريادة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن بما أنه لا هذه الخطة ولا الإعلانات السابقة ذَكَرَت حقوق الإنسان، فمن المعقول أن نتساءل: ماذا قد يعني "فوز" الولايات المتحدة بسباق الذكاء الاصطناعي؟

يفترض كثيرون في واشنطن ووادي السيليكون ببساطة أن التكنولوجيا الأمريكية تتماشى بطبيعتها ــ بحكم التعريف تقريبا ــ مع القيم الديمقراطية. كما قال رئيس شركة OpenAI التنفيذي سام ألتمان أمام الكونجرس في مايو الماضي: "نريد أن نكون على يقين من فوز الذكاء الاصطناعي الديمقراطي على الذكاء الاصطناعي الاستبدادي". ربما يكون هذا شعورا طيبا، لكن الأنظمة التكنولوجية الجديدة لا تحمي حقوق الإنسان بشكل تلقائي. يتعين على صُنّاع السياسات والشركات اتخاذ خطوات استباقية لضمان وفاء جهود نشر الذكاء الاصطناعي بمعايير وشروط بعينها، كما يحدث بالفعل في صناعات أخرى عديدة.


التحدي في التعامل مع الذكاء الاصطناعي لا يكمن في عدم وضوح المعايير، بل في حقيقة مفادها أن كثيرا من الشركات والحكومات تتصرف كما لو أن المعايير لا تنطبق عليها. لنتأمل هنا صفقات الذكاء الاصطناعي التي عقدها ترمب في الخليج. إذا أُبرِمَت هذه الاستثمارات بشكل نهائي فقد تعمل على ترسيخ طموح المنطقة للتحول إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي، وهذا يثير تساؤلات مقلقة حول ما إذا كان قادة الولايات المتحدة وقادة التكنولوجيا هناك ينبذون الآن التزامات طالما تمسكوا بها.

وافقت الولايات المتحدة على نقل رقائق إلكترونية متقدمة إلى شركة G42، كشفت شركة جديدة مدعومة من الدولة للتو عن اتفاقيات بمليارات الدولارات مع شركات أمريكية كبرى للحصول على الرقائق الإلكترونية وتشييد بنية أساسية. كما حصلت شركة إيلون ماسك، Starlink، على تصريح بالعمل في المملكة. لم تذكر أي من هذه الإعلانات أي تدابير حماية لضمان عدم استخدام التكنولوجيا للمراقبة أو القمع.

على النقيض من السلع التقليدية أو البنية الأساسية التقليدية، من الممكن نقل أنظمة الذكاء الاصطناعي رقميا ونشرها بأقل قدر من التدقيق العام. وبموجب خطة الذكاء الاصطناعي السيادية، حيث تعمل الحكومة على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتاحة لشعبها والتحكم فيها، من الممكن أن تتحول هذه الأنظمة بسرعة إلى أدوات لترسيخ سلطة الدولة. وبينما تعمل الشركات الأمريكية على تكثيف عمليات إبرام الصفقات الدولية ــ بدعم قوي من إدارة ترمب ــ فإن التقاعس عن إدراج التزامات حقوق الإنسان في هذه الجهود يمثل منعطفا خطيرا.

إنها أيضا فرصة ضائعة. فمن الممكن استخدام الوصول إلى التكنولوجيات الأمريكية الرائدة عالميا كوسيلة ضغط، سواء لتعزيز تطبيقات تحترم حقوق الإنسان أو لحماية التكنولوجيا من إساءة الاستخدام. نحن لسنا في احتياج إلى البدء من الصفر.

وتذهب المبادئ التوجيهية للشركات المتعددة الجنسيات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أبعد من ذلك، فتُلزِم الشركات ببذل العناية الواجبة في مختلف العمليات وسلاسل التوريد. كما أرست مبادرة الشبكة العالمية (GNI)، التي أطلقتها شركات التكنولوجيا الرائدة قبل 17 عاما، مبادئ لحماية خصوصية المستخدمين وحرية التعبير في الأسواق العالية المخاطر، حيث يجري تقييم امتثال الشركات الأعضاء بانتظام (كانت منظمتنا شريكا مؤسسا).

كخطوة أولى، من الممكن أن تستفيد شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة التي لم تنضم بعد إلى مبادرة الشبكة العالمية من إطار عملها وشبكتها.

أخيرا، سُرِّبت مذكرة من الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic، داريو أمودي، تظهر ما أصبح الآن على المحك. ففي معرض إعلانه عن نية الشركة قبول استثمارات الدول الخليجية بعد أن كانت قد أشارت في السابق إلى أنها لن تفعل، قال أمودي: من المتسق تماما أن ندعو إلى سياسة لا تسمح لأحد بأن يفعل "كذا أو كذا"، لكن إذا فشلت هذه السياسة وفعل الجميع "كذا أو كذا"، فسنضطر كارهين إلى أن نفعل "كذا أو كذا" بأنفسنا.

إذا انتهت الحال بشركات الذكاء الاصطناعي إلى سباق نحو القاع، فأي أمل قد يبقى في حماية الحقوق الأساسية؟ إذا كان الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي يعني التخلي عن القيم التي تميزنا عن المنافسين الاستبداديين مثل الصين، فسيكون انتصارا باهظ الثمن. ولن يكون مستقبلنا آمنا لمجرد أن التكنولوجيا أمريكية.

لم يفت بعد أوان التزام الحكومات والشركات بتطبيق معايير الحقوق الإنسانية الراسخة منذ أمد بعيد على الذكاء الاصطناعي. فالأدوات متاحة بالفعل، ولا يوجد عذر للتقاعس عن استخدامها.

 

مديرة المكتب الوطني للذكاء الاصطناعي سابقا، رئيسة مركز الديمقراطية والتكنولوجيا، سفيرة الولايات المتحدة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كبيرة زملاء ومديرة مبادرة الإبداع الرقمي في صندوق مارشال الألماني الأمريكي.

خاص بـ "الاقتصادية"


حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي