النفط الروسي تهديد للعلاقة الهندية الأمريكية

في خضم الحرب الباردة التي دارت رحاها بعد الحرب العالمية الثانية بين قطبي المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي قررت الهند عدم الانحياز واختارت منتصف المسافة لكنها اقتربت أكثر من الاتحاد السوفيتي، التي أصبحت روسيا لاحقاً، للحصول على دعم عسكري واقتصادي بما في ذلك اتفاقية الصداقة والتعاون الهندية السوفيتية في 1971 أثناء حرب الهند مع باكستان.
وبُعيد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، بدأت الهند في الاقتراب من الولايات المتحدة خاصة مع اتفاق الطاقة النووية المدنية 2008 التي حصلت الهند فيه على رفع الحظر الأمريكي عن التكنولوجيا النووية. ومع ذلك، ظلت التوترات التجارية قائمة بين البلدين، حيث أنهى ترمب في ولايته الأولى نظام التعريفات التفضيلية للهند، ما أثار ردود فعل هندية بفرض تعريفات على منتجات أمريكية كرد فعل على قرار الرئيس الأمريكي.
في العامين الأخيرين أخذت العلاقة منحنى أكثر توتراً وتصاعدت حدة التوترات بين البلدين، فالهند الشريك التجاري العاشر للولايات المتحدة في 2024، مثلت 2.4% من التجارة الأمريكية وبلغت الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة ما يقارب 87 مليار دولار من العام نفسه واشتكت الولايات المتحدة من عجز تجاري مع الهند بنسبة 2:1 في البضائع.
وصرحت أن الهند تفرض حواجز تجارية عالية ما حدى بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإعلان تعريفات جمركية متبادلة بنسبة 25% في يوليو الماضي، كانت التعريفات التي تم فرضها لا تعدو كونها زيادات جمركية فرضتها إدارة ترمب على عدد من الدول التي اتهمتها الإدارة الأمريكية بأنها تفرض رسوماً جمركية غير عادلة مع الولايات المتحدة.
لكن الإدارة الأمريكية وعلى خلفية خيبة أملها من سير المحادثات بين روسيا وأوكرانيا التي كان الرئيس الأمريكي يطمح أن تأخذ زخماً أكبر يسفر عن اتفاق سلام قررت زيادة الضغوط على روسيا في سبيل دفعها لاتفاق سلام، كان النفط الروسي هو مصدر الضغط الرئيسي ولذا طلبت الولايات المتحدة من الهند التوقف عن توفير متنفس للاقتصاد الروسي واستيراد النفط منها وهددت بزيادة الرسوم الجمركية إلى 50% إن لم تفعل.
في حقيقة الأمر لا يبدو أن الهند في وارد الإذعان للتهديد الأمريكي على الأقل في هذه المرحلة ما يشكل تهديداً حقيقياً للشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
ولكن لماذا لا تنوي الهند قطع وارداتها من النفط الروسي استجابة لمطالب إدارة ترمب والحفاظ على ما يقارب 88 مليار دولار سنوياً من الصادرات الهندية للولايات المتحدة؟
لقد شكل النفط الروسي بعد الحرب الأوكرانية الروسية فرصة عظيمة للهند التي وجدت فيه ما يسد 85% من حاجتها من النفط وشكل عماداً يستند عليه الاقتصاد الهندي، كانت الهند لا تستورد سوى 100 ألف برميل يومياً من روسيا قبل الحرب الأوكرانية الروسية وبعد اندلاعها زادت الهند وارداتها النفطية من روسيا بنسبة تجاوزت 1900% ووصل حجم استيرادها من النفط الروسي إلى ما يقارب 2 مليون برميل يومياً في السنوات الثلاثة الماضية، ذلك أن النفط الروسي الذي تعرض لعقوبات أمريكية وأوروبية صارمة وفّر عرضاً مغرياً للهند حيث قُدم لها بخصم وصل إلى 20%
لقد ذهبت الهند أبعد من ذلك واستوردت النفط الروسي بخصومات كبيرة وقامت بتكرير هذا النفط وتصديره كمشتقات نفطية إلى أوروبا التي كانت تستورده مباشرة من جارتها روسيا قبل تطبيق العقوبات عليها ما جعل الهند وسيطاً تجارياً يحصد مكاسب اقتصادية كبيرة.
الهند التي تتوفر فيها المصافي ومعامل تكرير النفط والأيدي العاملة المدربة وجدت في النفط الروسي الاستثمار الأمثل لتعظيم إنتاجها وزيادة صادراتها من المشتقات النفطية وسد حاجتها المحلية ولهذا تبدو الهند غير مستعدة للتنازل عن النفط الروسي المخفض والمكاسب الاقتصادية التي تحصل عليها من وراء استيرادها له. كما أن الهند تعتبر النفط الروسي مسألة سيادية ومسألة أمن طاقة لا تستطيع التفريط به ولا المساومة عليه كما أعلنت عن ذلك في غير مناسبة.

خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي