مسؤولية وزارة التجارة ليست غلاء أسعار فقط
يوم الأحد الماضي تمت مناقشة وزير التجارة والصناعة معالي الدكتور هاشم يماني من قبل مجلس الشورى حول عدة مواضيع, وكان أبرز المواضيع المطروحة للنقاش مع معالي الوزير غلاء الأسعار. وكان النقاش مفصلا وذا أبعاد كبيرة وواسعة حول أسباب ومسببات ارتفاع الأسعار, وكان الوزير طبقا لِما نشر في الصحف قد شرح وفصل أسباب ارتفاع الأسعار الذي أصبح الآن شيئا ملموسا لدى الجميع. طرح هذا النقاش, أي غلاء الأسعار أمام معالي الوزير من قبل مجلس الشورى, يعبر عن إيجابية كبيرة في أن تطرح قضية تمس المواطن والوطن أمام الوزير نفسه ليوضح ويجيب. لكن ما أود طرحه هنا هو: لماذا حين نصل إلى حد الأزمة نبدأ بالسؤال والبحث عن المسؤول والمسببات؟ فغلاء الأسعار - في تقديري - ومن خلال معطيات مالية عالمية واقتصادية لا شأن لوزارة التجارة والصناعة به كثيرا, هذا للإنصاف والحقيقة, فغلاء المواد الأولية, الشحن, العملة, الأزمات السياسية والاقتصادية, والتغيرات البيئية, وغيرها من التفصيلات, عوامل سببت كثيرا في ارتفاع الأسعار, ولن تتراجع على أي حال. ويوجد سعر لسلعة تنتج "طبيعيا" أن تتراجع أسعارها مع هذا الزخم الكبير في الحياة البشرية. قد تكون هناك مبالغة واستغلال من التجار, ولكن لا تصل إلى أن الارتفاع في مجمله هو استغلال من التجار, بل معطيات أساسية وواضحة, يجب أن نربطها ببعضها. ومعالي الوزير وضّح كثيرا هذه النقاط وكانت منطقية وعلمية ومنهجية, ولكن يجب أن يكون هناك دور واضح وملموس ورقابة كاملة وتطبيق للأنظمة والتشريعات الخاصة بالوزارة أمام أي تجاوزات من التجار أيا كان وضعه, وهذا فعلا ما يحتاج إليه المواطن والسوق.. الرقابة المستمرة والكافية وتطبيق العقوبات بصرامة وبلا تراجع.
هذا ما يخص جانب غلاء الأسعار ومجلس الشورى, ولكن ما أود طرحه هنا, أن وزارة التجارة والصناعة لا تقف مسؤوليتها ومساءلتها ونقاشها عند هذا الموضوع المهم, بل هناك قضايا اقتصادية مهمة كما هو غلاء الأسعار, فهناك: الغش التجاري, التستر, تنظيم الأسواق والمحال التجارية والانتشار العشوائي, حماية المستهلك, القضاء على البيروقراطية والبطء في الوزارة من سجلات تجارية أو إنشاء مشاريع أو تسجيل علامات. أين دور وزارة التجارة والصناعة في تحديد أوقات العمل في الأسواق والشركات بالتنسيق مع وزارة العمل؟ أين دور وزارة التجارة في تفعيل أهمية "الشيك" الذي أصبح دون قيمة الورق المطبوع به؟ أين الوزارة من حسم قضايا تجارية عالقة منذ سنوات؟ أين دور الوزارة حين كانت توافق على رفع رؤوس أموال الشركات المساهمة بمجرد إرسال خطاب بالفاكس للوزارة؟ يجب أن يطرح السؤال الأكثر أهمية عن سنوات ماضية وتفتح ملفات الموافقة على رفع وتأسيس شركات مساهمة مطروحة في السوق والآن تعلن إفلاسها من خلال قوائمها المالية وتصدت لها على الأقل الآن هيئة سوق المال. أين وزارة التجارة والصناعة من تنظيم واستقطاب التجارة البينية مع دول الجوار ومساندة المصدرين السعوديين وتذليل المصاعب بدلا من هجرتهم كما يحدث الآن؟ ناهيك عن أن تستقطب مستثمرين من الخارج. في تقديري ومن خلال ما نشاهد ونتابع على أرض الواقع, أن وزارة التجارة والصناعة تحتاج إلى عمل كبير وغربلة أكبر, وملامسة للواقع الاقتصادي السعودي وما يحتاج إليه من تفاعل وتفعيل, وأن تكون أكثر فاعلية, فهي تمثل الجزء الأكبر من قوة الاقتصاد الوطني وهي تجارته وتنظيمها. فالتستر ينهش ويمتص قوة هذا الاقتصاد. الغش التجاري لا تخلو منه مدينة أو قرية أو محل تجاري أو سوبر ماركت, لم تنشر الوزارة أي عقوبات عن غش أو تستر أو تقليد أو إصدار شيكات من دون رصيد, فهل نفهم من ذلك أن بلادنا خالية من الغش والتستر والتقليد للسلع والخدمات, وأننا نصدر شيكات دائما برصيد ولا توجد مشكلات؟ وغيرها الكثير من القضايا, يجب أن تقوم وزارة التجارة بمسؤولياتها وتتحملها كاملة, لأن الوضع لدينا حقيقة غير منضبط, فلا تردعه رقابة مستمرة أو أنظمة وقوانين تطبق. لهذا نجد ما يحدث لدينا من الصعوبة أن نفهم من خلاله أن لدينا وزارة تجارة وصناعة تقوم بدورها المسؤول والمؤثر والبناء في أكبر اقتصاد في العالم العربي والشرق الأوسط, وأكبر دولة نفطية في العالم, حقيقة يجب أن تكون هناك وقفه ومحاسبة من البداية للنهاية, وكل ما عملت الوزارة وما ستعمله في الفترة المقبلة, السؤال: هل لو لم يكن لدينا وزارة تجارة وصناعة سيتغير الوضع كثيرا؟!