"موقعة" التعريفات أول الشهر

السؤال الذي يبرز على السطح الآن هو، هل ستحدث "موقعة" الرسوم الجمركية الأمريكية الكبرى في أول الشهر المقبل؟ أم لماذا هي "موقعة"؟ لأنها ستكون حاسمة إذا لم يغير الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رأيه في موعد إطلاقها. فقد أجل مرات عدة تهديداته بهذا الخصوص، واستخدم إشارات مرنة تارة، وقاسية تارة أخرى.
المتابع لصناعة القرار الأمريكي حالياً (ولا سيما فيما يتعلق بالتجارة العالمية)، يخرج بنتيجة واضحة، أنه من المحتمل تغير المواعيد وحتى المواقف، بحيث تصل في بعض الأحيان إلى 180 درجة مئوية. بات ذلك معروفاً، لا عجب في حدوثه. حتى عندما "يصر" المسؤولين في البيت الأبيض على أول الشهر المقبل، كبداية لتنفيذ تهديدات ترمب الجمركية، فقد اعتادوا على أن الأمر متروك للرئيس في النهاية.
المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة وبقية الدول، تجري بالفعل لكن وراء الأبواب المغلقة، إلا أنها لا تسير بصورة سلسة، ويحدث أن تتوقف لفترة وتعود مجدداً، بل وحدث خلالها تهديدات متبادلة. غير أن الوضع بات أكثر حرجاً مع اقتراب إعادة فرض الرسوم، التي تشمل في الواقع كل الدول المصدرة للولايات المتحدة، باستثناء بريطانيا التي استطاعت، كما هو معروف التوصل لاتفاق قبل أشهر عدة أطلق عليه اسم "اتفاق الازدهار الاقتصادي". وبعيداً عن هذا الاتفاق، الذي لم يرض قاعدة عريضة من المنتجين البريطانيين، فإن الساحة العالمية "تغلي" حالياً، لمعرفة طبيعة الاتفاقات التي قد تتم قبل نهاية الشهر الجاري، هذا إذا تمكنت الأطراف من الوصول إليها في غضون أيام فقط.
كل شيء قابل للحدوث، بما في ذلك تأجيل مفاجئ لفرض الرسوم الانتقامية الجديدة من قبل إدارة ترمب. في ظل هذا المشهد، يبقى الثابت الوحيد الذي لا يتغير منذ وصول الأخير للبيت الأبيض، وهو عزمه الذي لا يتزعزع عما أسماه "تصحيح الخلل في الميزان التجاري".
في الحقيقة هناك خلل موجود بالفعل منذ عقود، لكن المشكلة لا تعالج عبر فرض رسوم جمركية "فلكية" من طرف واحد، وإشعال حرب تجارية لن تتوقف عند حدود معينة، ولا سيما في ظل "تفكك" الرابط التاريخي الذي يجمع "الحلفاء" مع الولايات المتحدة. لا أفضلية لهؤلاء، ولا معنى لاعتبارات هذا "الرابط" أصلاً مع ترمب الذي يرى أن بلاده "مظلومة" ليس الآن فحسب، بل منذ عقود خلت.
هل هناك استعداد لدى بعض الأطراف الكبرى لدخول حرب تجارية مع واشنطن، إذا ما فشلت المفاوضات التي تجري حالياً؟ نعم، أغلبية قادة الدول المعنية يفضلون التفاهم بالطبع، لكنهم أعدوا العدة لهذه الحرب إذا ما وقعت.
هؤلاء يملكون أيضاً أدوات يمكن زجها في المعارك المحتملة، كما أنهم يتعرضون إلى ضغوطات داخلية، بعدم التساهل كثيراً مع الجانب الأمريكي، مثل زعماء الاتحاد الأوروبي مثلاً، فضلا عن الحالة الأكثر خطورة بين الولايات المتحدة والصين. لا أحد بالطبع يريد حرباً تجارية بصرف النظر عن حجم اتساعها، لكن في الوقت، لا أحد سيتخلى عن مصالحه التجارية، إلا في الحدود المقبولة.

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي