البنك المركزي الأوروبي والخريف الصعب

يُتيح استمرار حالة عدم اليقين المحيطة بسياسة الرسوم الجمركية الأمريكية للبنك المركزي الأوروبي تبرير إبقاء أسعار الفائدة ثابتة بسهولة هذا الأسبوع، إلا أن التراجع المفاجئ لليورو هذا الشهر يمنح صانعي السياسات غطاءً إضافيًا للتمسك بموقفهم.
ستكون الحرب التجارية المُتصاعدة بمنزلة الفيل في الغرفة في اجتماع يوم الخميس، مع عدم وضوح ما إذا كانت واشنطن ستُنفذ تهديدها بفرض رسوم جمركية شاملة تصل إلى 30% على السلع الأوروبية اعتبارًا من الشهر المقبل. ولكن قد يكون سعر صرف اليورو، الذي يُمثل قضية شائكة للبنك المركزي، نقطة نقاش رئيسية أخرى.
على صعيدٍ ما، لاقى ارتفاع قيمة اليورو ترحيبًا واسعًا من كبار مسؤولي البنك المركزي الأوروبي هذا العام، حيث تبنوا الفوائد المُحتملة لـ"اليورو العالمي" وانتقال المستثمرين الواضح من الأصول الأمريكية إلى الأسواق الأوروبية.
يبدو أن صانعي السياسات يعتقدون أن استنزاف جزء على الأقل من "الامتياز الباهظ" الذي لطالما حظيت به أمريكا لتخفيض احتياجاتها الاستثمارية الضخمة، يستحق، في المجمل، أي استنزاف طفيف لقدرتها التنافسية على التصدير.
كما أن قوة اليورو صبّت في مصلحة المتساهلين في أسعار الفائدة، حيث أثرت سلبًا في أسعار الواردات والسلع. لكن بوادر القلق بشأن ارتفاع قيمة اليورو 15% مقابل الدولار هذا العام بدأت تظهر في صفوف البنك المركزي الأوروبي منتصف العام، وتزامن ذلك مع تراجع العملة الموحدة القوية 1.5% عن أعلى مستوى لها في 4 سنوات تقريبًا، متجاوزةً 1.18 دولار أمريكي، في الأول من يوليو.
في المؤتمر السنوي للبنك المركزي الأوروبي في سينترا بالبرتغال، قال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي جيندوس، إن البنك المركزي قد يتجاهل ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدولار حتى 1.20 دولار أمريكي، ولكن ليس أعلى من ذلك. "وبعد ذلك، سيكون الأمر أكثر تعقيدًا بكثير".
كان مارتينز كازاك، رئيس البنك المركزي في لاتفيا، أكثر وضوحًا: "إذا فُرضت تعريفة جمركية بنسبة 10%، إضافة إلى ارتفاع في سعر الصرف يزيد على 10%، فسيكون ذلك كافيًا للتأثير على ديناميكيات التصدير".
ثم عزز دي جيندوس هذا الرأي الأسبوع الماضي بقوله: "دعونا نأمل أن يستقر (اليورو) قليلًا، وألا يكون له أي تأثير سلبي آخر في النمو الاقتصادي".

ليست كل مكاسب العملات متساوية

من الواضح وسط كل هذه التصريحات أن البنك المركزي الأوروبي يضع حدًا أدنى لمكاسب اليورو في خضم الحرب التجارية. وكلما ارتفعت التعريفات الجمركية في النهاية، زادت حدة التأثير.
بالنسبة للمؤيدين للتيسير النقدي، يُعزز مزيد من ارتفاع سعر الصرف مبررات استئناف تخفيضات أسعار الفائدة دون مستوى 2% الحالي، الذي يعتبره معظمهم وضعًا محايدًا. لكن تعزيزًا إضافيًا سيُثير قلق المتشددين الذين يخشون أن تؤدي تشوهات اليورو إلى سياسة تحفيزية صريحة غير مناسبة بالنظر إلى ديناميكيات الأسعار المقلقة الناجمة عن الأجور والحوافز المالية القادمة.
لا يزال الجدل قائمًا حول ما إذا كانت تحذيرات البنك المركزي الأوروبي مسؤولة جزئيًا عن تراجع اليورو هذا الشهر. لكن يبدو أن هناك حالة من عدم اليقين قد بدأت الآن، ولا سيما أن الدولار قد استقر، وأن العلاقة المقطوعة أخيرا بين العملات وفجوات أسعار الفائدة والعائد عبر الأطلسي قد عادت إلى الظهور إلى حد ما.
تسبب اضطراب السياسة الأمريكية والمخاوف المؤسسية في انخفاض قيمة الدولار في وقت سابق من هذا العام على الرغم من اتساع علاوة عائد السندات الأمريكية على أوروبا، إلا أن هذا الوضع بدأ يتغير مجددًا.
من المؤكد أن أي ارتفاع متجدد في قيمة اليورو، مقترنًا برسوم جمركية أعلى بشكل حاد، سيشجع البنك المركزي الأوروبي على تخفيف السياسة النقدية مرة أخرى في سبتمبر، ما يزيد من ثقته في قدرته على كبح جماح العملة هذه المرة على الأقل. وتتوقع الأسواق حدوث انخفاض آخر على الأقل في الدورة الحالية. قال دويتشه بنك، الذي يُبقي على دعوته لإبقاء سعر الفائدة "النهائي" للبنك المركزي الأوروبي عند 1.5%، إن المخاطر ربما تكون قد زادت من حذر البنك المركزي الأوروبي أكثر من ذلك بقليل.
يُشير مارك وول، من دويتشه بنك، إلى وجود فرق جوهري بين ما سيعتبره البنك المركزي الأوروبي صدمة "خارجية" لليورو تحدث بغض النظر عن أسعار الفائدة والقوة الاقتصادية، وصدمة تتفاقم في نهاية المطاف مع تحسن الاقتصاد في ظل التحفيز المالي.
وأضاف: "ليس كل ارتفاع في قيمة العملات متماثلاً".
لذا، يُحاول البنك المركزي التوفيق بين التوقيت والتسلسل - فهو يُخفف الآن من ضغوط الانكماش في اقتصاد ضعيف نسبياً، بينما يستعد لعكس ذلك العام المقبل عندما تبدأ ألمانيا في تطبيق زيادة الإنفاق الضخمة.
ويُشير دويتشه بنك إلى أنه "مع حدوث هذا التحول، قد يُصبح سعر الصرف الأجنبي أقل تأثيراً في السياسة النقدية".قد يحصل البنك المركزي الأوروبي على إجازة صيفية، لكن أمامه خريف صعب.

محلل وكاتب مالي في وكالة رويترز

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي