هل روحاني «صوت اعتدال» حقيقي؟
يبدو أن الرئيس الإيراني حسن روحاني يتبنى مشروعاً اقتصادياً وهو يحاور الغرب من خلال مفاوضات مجموعة الخمسة زائد واحد، واستطاع بالفعل من خلال رؤيته الاقتصادية أن يصل إلى نقطة قبول من الغرب، ولكن الجانب الخليجي ــ من ناحيته ــ قابل المشروع الإيراني كما قابل الموقف الغربي بكثير من الريبة والشك.
وأنا لا ألوم الجانب الخليجي فالعلاقات الخليجية - الإيرانية فيها الكثير من الانقلاب والجحود الفارسي، ولكن مع هذا فإن المنهج الذي يتبناه الرئيس حسن روحاني هو طرح كل الملفات في سلة واحدة حتى يغري الجانب الغربي بجدوى المفاوضات، ولقد عبر الرئيس حسن روحاني عن ذلك في المقال الذي نشرته مشكورة صحيفة "الاقتصادية" يوم الخميس الماضي 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013.
لقد بدأ الرئيس الإيراني مقالته بإرسال رسائل عدة إلى الداخل (الشعب الإيراني)، وإلى الجوار (مجلس التعاون الخليجي)، وإلى المنظمات الدولية (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن)، وإلى المجتمع الدولي، قال الرئيس حسن روحاني:
«وفيما يتصل بالسياسة الخارجية، فإن حكومتي تنبذ أي نهج متطرف. فنحن نسعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية فعّالة وبناءة ونركز على بناء الثقة المتبادلة مع جيراننا والمنظمات الإقليمية والدولية الفاعلة، وهو ما من شأنه أن يمكننا بالتالي من توجيه سياستنا الخارجية نحو التنمية الاقتصادية في الداخل. وتحقيقاً لهذه الغاية فسوف تعمل على إزالة التوترات في علاقاتنا الخارجية وتعزيز روابطنا مع الشركاء التقليديين والجدد على حد سواء. ومن الواضح أن هذا يتطلب بناء الإجماع في الداخل وتحديد أهداف شفافة - وهو العملية التي تجري حاليا».
وأوضح أن الرئيس الإيراني لم يستطع أن يخفي المتاعب التي يعانيها الاقتصاد الإيراني، ولذلك كانت أولى مطالبات الوفد الإيراني في المفاوضات تخفيف العقوبات الاقتصادية حتى يشعر الشعب الإيراني بجدوى المباحثات وكذلك يقبل بمبدأ الاستمرار في المفاوضات مع الغرب.
ورؤية الرئيس الإيراني في ظاهرها وفي باطنها أنه ليس من اللائق أن تتقدم الدول الناشئة (البرازيل، والصين، والهند، وتركيا، وماليزيا، وسنغافورة) إلى مرتبة الدول الناشئة، بينما تظل إيران تقبع أسيرة مشروع المفاعل النووي الذي وضعها في صفوف الدول النامية، وربما يقصيها إلى صفوف الدول المتخلفة إذا استمرت المقاطعة الاقتصادية وهبط الريال الإيراني إلى الأدنى فالأدنى.
هذه الرؤية الاقتصادية الإيرانية نقرأها بوضوح ونحن نتصفح مقال رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يقول الرئيس الإيراني «والواقع أن لحاق الاقتصادات النامية والناشئة السريع بالركب يشير إلى أن الثِقَل الاقتصادي الكلي لهذه الاقتصادات يوشك أن يتجاوز نظيره الذي يتمتع به العالم المتقدم. فمن المرجح أن تشكل البلدان النامية والناشئة اليوم ما يقرب من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، مقارنة بنحو 40 في المائة في عام 2000، وهو ما من شأنه أن يمكنها من الاضطلاع بدور أكبر كثيراً على الساحة العالمية».
ويضيف الرئيس الإيراني قائلاً «ونحن ندرس أيضا كيفية إعادة بناء وتحسين علاقاتنا الثنائية والمتعددة الأطراف مع أوروبا وأمريكا الشمالية على أساس من الاحترام المتبادل. وهذا يتطلب تخفيف حِدَّة التوترات وتنفيذ نهج شامل يتضمن العلاقات الاقتصادية».
ولم ينس الرئيس الإيراني وهو يبحث عن طريق تحقيق المصالحة مع المجتمع الدولي أن يتطرق إلى الملف السوري وهو الملف الشائك الذي يمثل إحدى نقاط الخلاف مع المجتمع الدولي ومع دول مجلس التعاون الخليجي بالذات فقال «يسعدنا أن تكون الغَلَبة في عام 2013 للدبلوماسية في مواجهة التهديدات بالتدخل العسكري في سورية. وينبغي لنا أن نبني على هذا التقدم وأن ندرك أن سورية في حاجة ماسة إلى الجهود الإقليمية والدولية المنسقة. ونحن على استعداد للمساهمة في جلب السلام والاستقرار إلى سورية في سياق مفاوضات جادة بين أطراف إقليمية ومن خارج المنطقة. وهنا أيضا، يتعين علينا أن نمنع المحادثات من التحول إلى لعبة محصلتها صفر».
وبالنسبة إلى الملف النووي وهو الملف الرئيسي في الخلافات مع الغرب، فإن الرئيس الإيراني أرجأه حتى نهاية المقال، فقال «والحق أننا ملتزمون بعدم العمل على تطوير وإنتاج القنبلة النووية. وكما أعلنت الفتوى الصادرة عن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، فإننا نعتقد بقوة أن تطوير وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة النووية يخالف تعاليم الإسلام. ونحن لم نفكر حتى في خيار امتلاك الأسلحة النووية، لأننا نعتقد أن مثل هذه الأسلحة قد تعمل على تقويض مصالحنا الأمنية الوطنية؛ ونتيجة لهذا فإن الأسلحة النووية لا مكان لها في العقيدة الأمنية الإيرانية. وحتى مجرد التصور بأن إيران قد تنتج الأسلحة النووية قد يضر بأمننا ومصالحنا الوطنية في المجمل».
ولكن الرئيس الإيراني أكد أن القدرة النووية السلمية سوف تستخدم في إطار ضمانات معترف بها دوليا، وسوف تكون متاحة للمراقبة المتعددة الأطراف من قِبَل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما كانت الحال في السنوات القليلة الماضية. و«بهذه الطريقة يصبح بوسع المجتمع الدولي ضمان الطبيعة السلمية الخالصة التي يتسم بها برنامجنا النووي».
وبعد أن قدم ضمانات التفتيش الدولي على المشروع النووي الإيراني لم ينس الداخل الإيراني فقال: «نحن لا نعتزم التخلي أبداً عن حقنا في الاستفادة من الطاقة النووية؛ ولكننا على استعداد للعمل نحو إزالة أي غموض والإجابة عن أي سؤال معقول عن برنامجنا».
والخلاصة أن المقال لم يكن مقالاً صحفياً فحسب، بل هو مبادرة سياسية للمصالحة مع كل أطراف المجتمع الدولي.
وإذا استمر الخليجيون على موقفهم وشككوا في الالتزامات التي قطعها الرئيس الإيراني حسن روحاني على نفسه، فإنني لست مع رفض الموقف الإيراني برمته، ولكني مع التهدئة، لأن المنطقة في حالة من التوتر لا يصلح معها اتخاذ مواقف أكثر تشدداً، وإنما دول الخليج في حاجة إلى إعادة طرح ملفاتها مع الجانب الإيراني بضمانات دولية أقوى وعلى أسس من الندية والاحترام المتبادل وفي ظل قواعد القانون الدولي.