التشكيل الوزاري.. طموحات وتطلعات المواطن
يترقب الشارع السعودي بشغف شديد، نتائج إعادة تشكيل مجلس الوزراء السعودي القريب، بموجب ما تنص عليه المادة التاسعة من نظام مجلس الوزراء الصادر في 3/3/1414هـ، القاضية بألا تزيد مدة مجلس الوزراء على أربع سنوات، بحيث يتم بعدها إعادة تشكيل المجلس بأمر ملكي.
في رأيي أن قرار إعادة تشكيل مجلس الوزراء السعودي هذه المرة، يعتبر بكل المقاييس والمعايير الإدارية، من بين أصعب القرارات الإدارية التي ستتخذها القيادة الرشيدة في هذا البلد العظيم، وذلك للعديد من الأسباب، التي لعل من بين أهمها وأبرزها، أن السعودية منذ بداية الألفية الجديدة وهي تمر بتحديات كبيرة طالت معظم جوانب الحياة بشكل عام، والاقتصاد السعودي بوجه خاص، ولا سيما حين النظر والأخذ بعين الاعتبار، حالة الطفرة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها البلاد، والتي لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تدار بعقلية وفكر كلاسيكي، لا يتعامل معها من منطلق تحقيق الاستفادة القصوى من جوانبها الإيجابية والتقليل بقدر الإمكان من إفرازاتها السلبية، وبالتالي فإن الأمر يتطلب تعيين مسؤولين في الإدارة العليا للدولة، يتمتعون بمهارات وبصفات إدارية غير عادية، قادرة ومؤهلة لإدارة والتعامل مع تحديات المرحلة المقبلة، بما في ذلك المحافظة على المكتسبات والإنجازات الحضارية العملاقة التي تحققت في الماضي، بأسلوب وتفكير إداري وكما أسلفت عصري وحديث.
ومن هذا المنطلق في رأيي أن إدارة الدولة وأجهزتها العليا، في حاجة ماسة خلال الفترة المقبلة، إلى إحداث ما يعرف في علم الإدارة وفي علم الهيكلة الإدارية بالانتفاضة الإدارية Management Shaking، لتتمكن من التعامل مع تحديات العصر وإدارتها بفكر مبدع وخلاق، وفي هذا الخصوص أنا أتفق تماماً مع ما ورد في مقال الكاتب إبراهيم محمد باداود الذي نشر له في "الاقتصادية" في العدد 4846 بعنوان "التعديل الوزاري الجديد"، إن التعديلات الوزارية تحتاج إلى تغيير أطباع وعقليات ومناهج إدارية قديمة داخل الوزارات تجاوز عمرها عدة عقود ومازالت تطبق الأساليب نفسها، عقلية متمسكة بالصادر والوارد والملف الأخضر العلاقي والمراسل الذي يطلب التوقيع على تسلم المعاملات والهيكل التنظيمي والإداري الكبير والمعقد والمتشابك لبعض الوزارات وما يتبعه من وكلاء ومساعدين ومديري عموم وغيرها من المناصب الإدارية التي تكبر وتنمو بمرور الزمن على حساب الإنجاز وخدمة المواطن، وبالتالي في رأيي أن التغيير الوزاري الجديد من المفترض له والمأمول منه، أن يحدث نقلة نوعية في التفكير الإداري وأسلوب التعامل مع الأمور وطريقة إدارتها، الأمر الذي لن يتحقق من خلال تغيير الأشخاص فقط دون أن يصاحب ذلك تغيير للعقول والرؤى والأفكار، وإلا سيصبح التغيير غير مجد وغير فعال، ومن هذا المنطلق في رأيي أن الوزراء الجدد الذي سيتم تعيينهم، لا بد من أن تتوافر فيهم الخصائص والمزايا الإدارية التالية:
(1) القدرة على التخطيط الاستباقي للتعامل مع الأحداث والمستجدات والمتغيرات، بل القدرة على التنبؤ بالأمور قبل حدوثها، ووضع الحلول الكفيلة بالتعامل معها، الذي بدوره يتطلب من الوزير المقبل أن يكون متابعا جيدا لما يدور حوله من أحداث، ولديه المقدرة على التعامل معها وإيجاد الحلول المناسبة لها في الوقت المناسب.
مثل هذه القدرات الإدارية، في رأيي ستجنب البلاد أن تكون عرضة لا سمح الله لحالات من الإخفاق في الأداء المحتمل للقطاعات والأنشطة الاقتصادية والخدماتية، التي لها مساس مباشر بحياة المواطن ورفاهيته، كخدمات الصحة وخدمات التعليم والخدمات الاجتماعية وخلاف ذلك، ولا سيما أن البلاد عانت في الماضي القريب ولا تزال تعاني في الوقت الحاضر من العديد من الإخفاقات المرتبطة بذلك النوع من الخدمات، بسبب الزيادة المطردة في عدد السكان من جهة، وضعف التخطيط الاستباقي المرتبط بالتوسع في الطاقة الاستيعابية لتلك المرافق من جهة أخرى، بالشكل الذي يلبي ويتوافق مع حالة النمو المطرد في عدد السكان.
(2) الوزير الجديد في رأيي مطالب بأن يقدم برنامج عمل خلال فترة عمله المقبلة في الوزارة، يوضح من خلاله ما ينوي عمله وتقديمه للمواطن من أعمال ومن برامج لها علاقة ومساس وارتباط مباشر بتطوير أداء الخدمات التي تقدمها الوزارة، على أن يخضع ذلك البرنامج لجدول زمني، يمكن المواطن من خلاله متابعة التنفيذ والمساءلة عن أوجه القصور.
(3) الوزير الجديد مطالب أن يقوي اتصاله المباشر بالمواطن، من خلال استحداث قنوات وبرامج اتصال فاعلة، تمكن المواطن من الالتقاء بالمسؤول بشكل دوري منظم ومنتظم، يمكن المسؤول من التعرف هموم ومشاكل المواطن، وأيضاً قياس درجة رضائه عن مستوى الخدمات التي تقدم له، وإدخال التعديلات والتحسينات اللازمة.
(4) أن يدير الوزير دفة الأعمال داخل الوزارة وخارجها بشكل ونهج مؤسسي، يبعد كل البعد عن البيروقراطية والمركزية الحكومية المرتبطة باتخاذ القرارات، الأمر الذي بدوره يتطلب لربما إحداث تغيير هيكلي في الجهاز الإداري في الوزارة، وتفويض المزيد من الصلاحيات، ومتابعة ومحاسبة المقصرين.
في رأيي أن اتباع الوزير الجديد مثل هذه الأساليب الإدارية الحديثة وغيرها، سيعزز من تواصله مع المواطن، وسيمكنه من إنجاز الأعمال وإدارة دفة شؤون الوزارة، بأسلوب عصري وحديث يرقى إلى تطلعات وطموحات المواطن ويحقق له الرضا والسعادة المنشودة، ولعلي لا أجد خير كلام أختم به مقالي هذا، سوى ما ورد في مقال للكاتب محمد بن عبد الكريم بكر بعنوان "بقي من الزمن 58 يوماً!" الذي نشر في "الاقتصادية" في العدد 4859، إن المرحلة المقبلة ليست في حاجة إلى منظرين أو بيروقراطيين، كما أن على الحالمين بحقيبة أو كرسي إدراك حجم المسؤولية التي تأتي مع تلك الحقيبة أو ذلك الكرسي، إذ لا ينبغي للوظيفة العامة أن تكون مغنماً بل مغرماً وتضحية وعطاء، بالله التوفيق.
* مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية