الصناديق السيادية .. الذراع القوية لإدارة الثروات الحكومية

تعرف الصناديق السيادية على أنها صناديق استثمارية مملوكة للدول، تكون مهمتها استثمار الاحتياطيات، بهدف تحقيق عوائد اقتصادية مباشرة، وحفظ الثروة للأجيال القادمة. تتمتع تلك الصناديق بنفوذ هائل مدعومًا بتريليونات الدولارات من الأصول تحت إداراتها، تجعلها قادرة على إحداث تأثير في الأسواق المختلفة.
وتملك النرويج النموذج الأشهر للصناديق السيادية، بفضل نفط بحر الشمال.
وأصبحت الدولة الإسكندنافية رائدة لقيادة صندوق يتخطى حجم أصوله 1.7 تريليون دولار، واستثمارات ممتدة من شركات التقنية إلى المصارف، ومن السندات إلى مشاريع الرياح والطاقة الشمسية وشركات رأس المال الجريء. وقد استطاع الصندوق في الفترة من (1998-2024) تحقيق عائد سنوي يتجاوز 6%.
لم يقتصر الأمر على النرويج، بل انتشرت صناديق الثروة السيادية في جميع أنحاء العالم، حيث تجمع تريليونات من الأصول التي تنافس الناتج المحلي لكثير من دول العالم المتقدمة. تدير الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وحدها أكثر من تريليوني دولار من خلال صندوقيها الرئيسيين في حين أن دول الخليج بقيادة السعودية والإمارات والكويت وقطر تتحكم معًا عبر صناديقها السيادية في تريليونات عدة أخرى من الأصول.
وفي آسيا، تشرف الصناديق الرئيسية في سنغافورة على نحو 1.3 تريليون دولار. بشكل جماعي، أصبحت هذه المؤسسات من أكبر المستثمرين في الكوكب، ويعني حجمها الهائل أن قراراتها تتجاوز بكثير الاقتصادات المحلية، ما يؤثر في الأسواق والتكنولوجيات والصناعات في جميع أنحاء العالم.
في السعودية يقود صندوق الاستثمارات العامة خطط التنويع الاقتصادي مع حجم أصول وصل إلى 925 مليار دولار في العام الحالي ويدعم الصندوق دعم خطط التحول عبر الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية للرؤية مثل السياحة والرياضة والتكنولوجيا والتصنيع والمشاريع العملاقة. كما يركز الصندوق على دعم الشراكات مع الشركات الدولية بهدف زيادة الاستثمارات المباشرة في السوق المحلية للقطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
أثر تلك الصناديق لا يقتصر على الداخل فقط، بل يمتد ليؤثر في الاقتصاد العالمي بشكل كامل، فعند فحص محافظ الاستثمار نجدها تغطي جميع الأدوات الاستثمارية، من أسهم شركات التكنولوجيا في بورصة ناسداك إلى الشركات الناشئة في وادي السيليكون، ومن السيارات الكهربائية الصينية، إلى شركات أشباه الموصلات الآسيوية، وصولًا إلى مشاريع الطاقة المتجددة في إفريقيا.
وفرت أيضا الصناديق السيادية مصدر تمويل مهم للحكومات، حيث إن جزءا مهما من أصولها يتم استثماره في سندات الدين الحكومية العالمية، مثل سندات الخزانة الأمريكية، والسندات المقومة باليورو والعملات الأخرى مثل الين.
وقد نجحت الصناديق السيادية حتى الآن في تحقيق الهدف منها، فعبر الاستثمار والعوائد التي تحققها تسهم في الحفاظ على حقوق الأجيال المستقبلية في الثروة المحلية، كما أثبتت الأزمات الاقتصادية الكبرى في القرن الحالي أن الصناديق السيادية كانت حائط صد في دولها أمام التقلبات الاقتصادية عبر تدخلاتها وإنقاذها الأسواق من التدهور، فتلك الصناديق لم تعد مجرد وسائل للادخار الساكن بل أداة للقوة والنفوذ، وحاجز منيع أمام الصدمات الاقتصادية غير المتوقعة.
الصناديق السيادية هي عرضة لمخاطر عديدة سواء داخلية مثل انخفاض الشفافية والمراجعة، وعدم توافر الحوكمة الرشيدة، بجانب المخاطر الخارجية مثل التوترات الجيوسياسية والتجارية التي تؤثر على أداء محفظة الصناديق. وقد تنجم عنها مخاطر كالتأثير السياسي في الأسواق والتحديات بين الاستدامة وأصول الثروة الاستخراجية حيث إن معظم صناديق الاستثمار تعتمد على فوائض عائدات الموارد الطبيعية.
ختامًا تحتاج الصناديق إلى اتجاه واضح على المدى المتوسط والطويل يركز على تعزيز القدرة الاقتصادية العالمية، ودعم خطط التحول في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة. فالصناديق السيادية تحتاج إلى ميثاق عمل مشترك تضع فيه المصلحة العالمية بجوار مصالح دولهم، وتكون فيه العوائد الاجتماعية والبيئة بالقدر نفسه من الأهمية التي تتمتع بها العوائد المالية.

مستشارة اقتصادية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي