توسيع نطاق الحلول لمواجهة مخاطر الكوارث

في عالم تتزايد فيه حدة الكوارث الطبيعية وتعقّد التحديات الإنمائية، تصبح المعرفة – وبخاصة العملية والتطبيقية منها – خط الدفاع الأول للبلدان لمواجهة التحديات التنموية، وبناء القدرة على الصمود في وجه الكوارث والصدمات. وأحد أنجع السبل لنقل هذه "المعرفة التطبيقية" هو أن يتشاركها النظراء من واضعي السياسات والممارسين.

التحدي القائم: سد فجوة التأمين ضد الكوارث

عندما تضرب الكوارث الطبيعية، يجد كثير من الأفراد والشركات في الاقتصادات الصاعدة أنفسهم بلا أي مظلة تأمينية، لتتحمل الحكومات عبء الخسائر وحدها. ففي عام 2023 على سبيل المثال، ضربت زلازل مدمّرة المغرب وتركيا وسوريا، وأودت بحياة الآلاف وخلفت خسائر اقتصادية هائلة. وأظهرت هذه الكوارث أن حجم الصدمات يتجاوز بكثير قدرة أي من القطاعين العام أو الخاص على التعامل معها.

الحل المطروح: تكوين شراكات تأمينية بين القطاعين العام والخاص

في المغرب وتركيا، أثبتت الشراكات التأمينية بين القطاعين العام والخاص فاعليتها في تخفيف بعض تكاليف الكوارث التي شهدها عام 2023. كما لجأت بلدان أخرى إلى هذا النموذج لتوسيع نطاق التغطية الشاملة للمخاطر وخفض تكلفتها. لكن التحدي الحقيقي اليوم هو: كيف يمكن تعميم هذه التجربة وتوسيعها لتشمل مزيدا من البلدان؟
تسريع الأثر: منهج أكاديمية مجموعة البنك الدولي الجديد

لتسريع التعلم وتحويل الحلول المجرّبة إلى واقع في البلدان الأعضاء، أطلقت أكاديمية مجموعة البنك الدولي سلسلة جديدة من برامج الأثر المبتكرة. ومن أبرزها "أكاديمية تمويل مواجهة مخاطر الكوارث"، التي تركز على إتاحة تأمين منخفض التكلفة ضد الكوارث عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص. وهدفنا في الأكاديمية هو تحويل المعرفة إلى خطوات عملية تحدث فرقاً حقيقياً.
في هذا الإطار، اجتمع أكثر من 50 مشاركاً من 14 بلداً في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إسطنبول في أبريل 2025، ليتبادلوا أفضل الممارسات ويتعلموا من التجارب المباشرة لبعضهم بعضاً. وضمّ المشاركون مسؤولين حكوميين وقيادات من القطاع الخاص وخبراء عالميين، إلى جانب شركاء وممثلين عن مؤسساتٍ منها المجمع التركي للتأمين ضد الكوارث، ومنتدى تطوير التأمين، فضلاً عن جامعاتٍ محلية رائدة مثل جامعة بوغازيتشي وجامعة إسطنبول التقنية.

وضع أسس للتحرك الفعال

سلطت الأكاديمية الضوء على ثلاثة دروس أساسية لتسريع الإصلاحات وتنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص:
أولا : التعلم من التجربة الميدانية: النجاح يبدأ من التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص، من وضع السياسات إلى صرف التعويضات. تعرف المشاركون على تفاصيل تجارب المغرب وتركيا في إنشاء تلك البرامج؛ حيث يضمن النموذج المغربي تغطية لا تستثني أحداً، بينما يحقق النهج التركي انتشاراً واسعاً وكفاءة عالية في التعويض عبر تأمين إجباري منخفض التكلفة.
ثانيا: التركيز على خطوات عملية لتوسيع نطاق الحلول: قدّم البرنامج إرشادات تقنية خطوة بخطوة لبناء الشراكات، مدعومة بأمثلة حية من المزارعين والأسر والشركات، وحتى الحالات التي لم تُكلل بالنجاح. كما ساعد البرنامج المشاركين على تحديد التغييرات اللازمة في نهجهم الحالي من خلال إعداد خطط عمل واقعية مُصممة خصيصاً لظروف بلدانهم.
ثالثا: تهيئة الظروف للتعلّم العابر للحدود من النظراء: جمع البرنامج بلداناً بخبرات متنوعة،ما أتاح حواراً مفتوحاً وتعاوناً بين ممارسين نادراً ما يجتمعون. واستكشفوا معاً "المشكلات التقنية" و"الحلول العملية"، مع تكييف تلك الحلول بما يتلاءم مع السياقات السياسية والمؤسسية الوطنية.

من المعرفة إلى الأثر العالمي

أسفرت نتائج البرنامج المباشرة عن التزام عديد من البلدان بتحسين أو تطبيق برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لكن دعم أكاديمية مجموعة البنك الدولي لم يتوقف عند إسطنبول؛ فالأكاديمية تواصل مساندة التعلّم المستمر، والعمل مع البلدان الراغبة في الإصلاح، ومساعدتها في متابعة النتائج وتقييمها، وتوثيق التجارب لمشاركتها مع غيرها.
وانطلاقاً من هذا الزخم، أطلقنا بالفعل برامج أثر جديدة تُعين المدن على تطوير حلول النقل الكهربائي، وتدفع أساليب زراعة الجيل التالي من الأرز قدماً، وتستكشف طرق لزيادة فرص العمل وتحسين جودتها في البلدان النامية. وفي كل برنامج، تعمل برامج الأثر على الربط بين النظراء من أنحاء العالم لتبادل المعارف الميدانية، وتحويلها إلى حلول محلية قابلة للتطبيق.

خبيران اقتصاديان في البنك الدولي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي