(مـــا أبْطى مــنْ جــــاء)
الضلوع الضالعة في تماسك الاقتصاد الوطني السعودي الحديث قليلة العدد، مُدرَّة المنفعة، حيوية النشاط ومتأثرة بعوامل خارجية أكثر من التفاعلات الداخلية. تشعباتها تتطلب حنكة معرفية ودراية واعية. حسن إدارتها في تطوير صيانتها، مساندة للأمن الاقتصادي الوطني الذي نحياه، ودعماً لمستقبل معيشة الأجيال المقبلة.
طالما أنَّ المشتري دوماً على حق، فإنَّ من حق بائع الذهب الأسود أن يتحرى الطرق الآمنة والأساليب الصحيحة ليحصل على قيمة حقيقية صافية متزايدة الفائدة من الأسعار والكميات المعلنة، على طريق استخدام الدخول الريعية المحققة لأحسن بدائل الاستثمار المتوافرة، لروافد دخول قومية إضافية واستثمارات جديدة مضافة لصناعة الزيت ومشتقاته.
اعتماد برامج تمويل التشييدات طويلة الأمد والاستفادة الاقتصادية من نشاط الاستثمار المحلي في صناعة الزيت ومشتقاته عالمياً، لا يمكن إغفال أنَّ تحديد سعر العائد الريعي الوطني في يد المشتري أكثر من البائع الفرد المنتج أو المنظمة. مصلحة الثاني تتحقق بقدر البراعة الإدارية والحكمة الربانية في ألا تنجرف العقول المحلية مع "سوطرة دقون الإعلام الغربي"، لتصديق جبروته، المتخذة من "ستائر" قوة التضليل و"غبائن" الغبن طرق ومسالك القبض على "سكان" سواعي مؤثرات تذبذبات الأسعار وتغيرات الكميات. مناطق الذهب الأسود تصدر عنها أصوات مزعجة بعضها ردود فعل لمعاناة مسؤولي المناطق المصدرة للذهب الأسود مع "تكتلات" الدول الصناعية الغربية المستوردة. أسوأ صورها دولياً أخذت قديماً طابع "مصدق إيران" وحديثاً "سيفاز فينزويلا". الأوبيك جماعياً لا تصد ولا ترد. يترتب عن الأول من الغرب الصناعي شر على المجموعة المصدرة للذهب الأسود. لأن السكوت من منظورهم علامة الرضا. الثاني يوفر الغرب الصناعي له الوسائل والأساليب للخروج من المصاعب الآنية ضمن حلول مقترحة مصاغة في دبلوماسية رأسمالية بفكر مسيطر (دوماً نحن نراه من بواقي الاستعمار، بينما حقيقة هو في دمهم ولحمهم وفكرهم لضعفنا أمام قوتهم).
اليوم انخفض سعر برميل الذهب الأسود عالمياً. صحافتنا المحلية أخذت "تركض" وراء الخبر الجلل. اهتماماتها تركزت لمنظور تأثيره على الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي. الموازنة العامة ليست سوى الحدث الأصغر في حياة الأمة. مستقبل الأجيال المقبلة هو الحدث الأعظم. فائدة الموازنة العامة ليست في الأرقام المرصودة بقدر ما هي في النتائج الزمنية المحققة من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري في طريق تحقيق أهداف برنامج اقتصادي اجتماعي معروف للعامة والخاصة بشفافية. البرنامج على الأمد الطويل يوفر إضافات قيم حقيقية متنوعة من دخل ريعي (سولو) مهم، ليعطي كفاءات ومعرفيات تقنية عصرية وثروات إضافية طبيعية ومنتجات تقنية عصرية مركبة نقرؤها في زيادة حقيقية للدخل القومي: تضع الاقتصاد الوطني السعودي في وضع تزاحمي بين مصاف الدول الرائدة.
انخفاض سعر برميل الذهب الأسود أخيرا، لا يمكن اعتباره مفاجأة نبحث عن تأثيرها "بفانوس علاء الدين" السحري على الموازنة العامة للدولة. المسؤول الأول عن الذهب الأسود لأكبر دولة مصدرة خليجية، تنبأ بالانخفاض وأعلنه في الغرب منذ أكثر من تسعة أشهر على نفس الحدود التي "لطمتنا وصدمتنا". حديثاً دفعت بالمدارس الاقتصادية السعودية التسابق الباكي على "ضياع الورق" بدلاً من تقديم فكر اقتصادي تنموي لتحويل خسارة اليوم إلى ربح الغد. الذهب الأسود باق بعون الله وإرادته لأبد الآبدين. ليس هنالك "اقتصاد ما بعد الذهب الأسود". هنالك اقتصاد متعدد الدخول والروافد الطبيعية والعلمية والبحثية. التاجر الناجح يخرج من الخسارة فور "ما يشم رائحتها". التاجر الناجح "يتكالب" على الارتفاعات المحققة في زيادة السعر، طالما أنَّ الزيادة ليست محكومة بقانون العرض والطلب. التسعير المنطقي متوافر لمن يفهمه ويعمل به من داخل آليات قانونه. الاحتكار في العرض والطلب يقلب الأسعار عاليها سافلها : على المدى الطويل الثاني أقوى من الأول : وحذر من أنذر. الذهب الأسود ليس الاستثناء. الاستثناء لصناعة الذهب الأسود أن الاعوجاجات السعرية طالت أكثر مما يعرفه التاريخ الاقتصادي الرأسمالي للسلع والخامات لقيام: "استراتيجيات الرأسمالية الحاكمة طويلة النفس وعنصريات المناطق المصدرة المُضيعة للزمن". مخاطر اليوم للدول المستوردة عظيمة. ضمانة سلامة توافر الذهب الأسود للاقتصاد الغربي الرأسمالي بأقيام منخفضة غير مسبوقة في تاريخ البشرية الغربية. المفارقة الجديدة المحيرة في التسعير مع المخاطر وانخفاض سعر العملة الوسيطة، أنَّ سعر برميل الذهب الأسود آخذ في الانخفاض. الدول المصدرة والمستوردة تبدو وكأنها مرتاحة وهم يأكلون بعضهم. الأيادي الخفية خلف الارتفاعات والانخفاضات ربما تكون العليا من الخارجين على تركيبة اللعبة التقليدية.
الأغرب لمدعاة الحيرة، في الأجواء الحالية، اندثار أصداء المهيمنين الجدد من الصين استيرادا إلى روسيا تصديراً. حدة شوكة "الجُدد"، قد تدفع بالقدامى المستوردين لجدية التفعيل لجهود البحث عن الحلول البديلة للذهب الأسود، بينما مصدرو أوبيك قابعون على ما تركه لهم آباؤهم.
الموازنة العامة للدولة مبنية على سعر فرضي سليم لبرميل الذهب الأسود قابل للتباين مع تغيرات مستقبلية محتملة على واقع السعر السوقي المتغير وبعيد عن هامش الضرر والخطر بقدر مفترض للسلامة. طالما أنَّ شفافية "هامش السلامة" متوافر، فإنَّ الحديث عن الضرر على الموازنة العامة ضرب من القصور الفكري الاقتصادي و"شعبطة" مزايدات فكرية قد تعطي إعلاماً مبهراً. الخوف أن "يتبرجل" الفكر الاقتصادي القاصر العناية الحانية بالمقدرات الاقتصادية الوطنية المستقبلية. طالما أنَ الحرية الفكرية الاقتصادية للصحافة المحلية "طلقْ"، فإنَّ مجالات الاختيار للقراء واسعة "كل على الجنب الذي يريحه".
ارتحت لقراءة "منشيت" صحافي محلي لمسؤول نقدي سعودي رفيع المستوى، أنَّ انخفاض سعر البرميل يؤثر على الموازنة العامة للدولة. الفرحة لم تدم طويلاً. لاحظت في اليوم الثاني، وعلى عجالة، منشيتا آخر مضادا مفاده أنَّ الانخفاض لا يؤثر. "البلبلة" محلياً مفيدة فقط مع تناقص الأمطار ومياه الشرب. نقل الأخبار المحلية الرسمية عالمياً باللغة الإنجليزية عن الصحافة المحلية، من سياسة المطارات المعلنة حديثاً إلى الموازنة العامة للدولة عبر مترجمين لا عرب ولا إنجليز "يخلي البحر بزرميط" وضرره يمتد خارج الحدود.
الموازنة العامة للدولة مهمة فيما تحققه من نتائج ضمن الأرقام النقدية المرصودة للعام. إذا هنالك انزعاج لمصدر التمويل السنوي، فإنَّ الأهم تمويلياً، الخطط الموضوعة لمستقبل الأمة وأجيالها المقبلة. النقاش للمدى القصير من منظور الموازنة العامة للدولة والطويل من البرنامج الإنمائي النقدي، مرتبط تعامله بالبرامج المالية المعتمدة والنقدية المتوافرة. أهمية معرفة السياسات النقدية والمالية في وضوح توافرها، والأسس والأساليب القائمة عليها للدخول في نقاش أمور مصيرية اقتصادية اجتماعية. توفير المعلومات كاملة يعطي النفع المطلوب. استمرار الارتكاز على مصدر واحد ريعي للدخل، أمام رغبات وتطلعات متزايدة، وزيادة عددية سكانية، يمثل قلب التحدي لرفعة الاقتصاد الوطني السعودي. الأهمية لمتابعة "ضبط وربط" المسؤوليات المالية وإنجازها، تتزايد كلما كانت "المؤن" النقدية خارجة عن "الطوع". الذهب الأسود قيمته الحقيقية ليست في "طوع" الاقتصاد المصدر. قواعد "هرم تسعير" الذهب الأسود يتكون من العملة والكمية والسعر.. جميعها في عرين الأسد!!
الدولار الأمريكي لأجيال مقبلة العملة الدولية الوسيطة للذهب الأسود بغض النظر عن عملة تعاقد التعامل التجاري. العملة الوسيطة لا يحكمها بنك مركزي. أسعارها متقلبة مقابل العملات التجارية الدولية التي هوامش فوارقها تدخل ضمن تركيبة سعر برميل الذهب الأسود. الدول المصدرة للزيت الأسود تعتبر سعر البرميل الثمن العدل عند ارتفاعه، وتشتكي من انخفاضه. مهم للسياسات النقدية والمالية للاقتصادات النامية المصدرة للذهب الأسود، أن تأخذ بعين الاعتبار تحديات ذبذبة العملة الوسيطة الموحدة للدخل والحاجة لعملات الدول الصناعية المختلفة للاستيراد. توحيد ثبات النهج النقدي المحلي أمام الوسيط المتذبذب والوقوف عليه لنصف قرن "قرار" واضح. نتائجه سهلة التقييم حتى في غياب إعلان نتائج دراسة خيارات الحلول المتوافرة والمقارنات المحتملة والخلاصات المقدمة.
الثبات المحلي النقدي ضمن أطر تقليدية محددة مرتبطة بالعملة العالمية الوسيطة المتأرجحة، يؤثر على كمية النقود المحلية خارج المفهوم الاقتصادي الوطني المعلن. الاقتصاد الوطني لا يستفيد من ضعف العملة الوسيطة ولا يتضرر من قوتها: "كأنك يا أبو زيد ما غزيت". قوة العملات الصناعية مقارنة بالعملة الوسيطة على العملة المحلية، تنعكس بالضرر على تجارة الاستيراد ويدفع ثمنها الاقتصاد الوطني السعودي.
الاهتمام بمغانم وخسائر الاقتصاد الوطني السعودي الجانبية لخيارات فكر ثوابت "الضلوع" الاقتصادية مهم. الأهم في طريق بناء الاقتصاد الوطني السعودي توافر النظم والقوانين المؤسساتية في الأمور الاقتصادية والاجتماعية النقدية والمالية. الركض وراء إقامة بنوك وشركات تأمين واستثمار ووساطة مالية.. إلخ في غياب الأطر النظامية النقدية والمالية الكاملة المتكاملة "بهللة" تماثل لزفة عرس محلي "مفصَّل" وفق الفكر الاقتصادي الغربي دون اكتمال "المواجيب". التخلف الاقتصادي والهوان الاجتماعي قيامه وزواله بأيدي أهله من سوق المواشي في جدة إلى سوق المال في الرياض. والله أعلم.